[سُورَة النَّمْل (٢٧) : الْآيَات ٣٨ إِلَى ٤٠]
قالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩) قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (٤٠)
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ لِذِكْرِ بَعْضِ أَجْزَاءِ الْقِصَّةِ طُوِيَ خَبَرُ رُجُوعِ الرُّسُلِ وَالْهَدِيَّةِ، وَعَلِمَ سُلَيْمَانُ أَنَّ مَلِكَةَ سَبَأٍ لَا يَسَعُهَا إِلَّا طَاعَتُهُ وَمَجِيئُهَا إِلَيْهِ، أَوْ وَرَدَ لَهُ مِنْهَا أَنَّهَا عَزَمَتْ عَلَى
الْحُضُورِ عِنْدَهُ عَمَلًا بِقَوْلِهِ: وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ [النَّمْل: ٣١] .
ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُلَيْمَانُ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ حَطَّتْ رِحَالُ الْمَلِكَةِ فِي مَدِينَةِ أُورْشَلِيمَ وَقَبْلَ أَنْ تَتَهَيَّأَ لِلدُّخُولِ عَلَى الْمَلِكِ، أَوْ حِينَ جَاءَهُ الْخَبَرُ بِأَنَّهَا شَارَفَتِ الْمَدِينَةَ فَأَرَادَ أَنْ يُحْضِرَ لَهَا عَرْشَهَا قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهِ لِيُرِيَهَا مَقْدِرَةَ أَهْلِ دَوْلَتِهِ.
وَقَدْ يَكُونُ عَرْشُهَا مَحْمُولًا مَعَهَا فِي رِحَالِهَا جَاءَتْ بِهِ مَعَهَا لِتَجْلِسَ عَلَيْهِ خَشْيَةَ أَن لَا يهيىء لَهَا سُلَيْمَانُ عَرْشًا، فَإِنَّ لِلْمُلُوكِ تَقَادِيرَ وَظُنُونًا يَحْتَرِزُونَ مِنْهَا خَشْيَةَ الْغَضَاضَةِ.
وَقَوْلُهُ: آتِيكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا مُضَارِعًا مِنْ أَتَى، وَأَنْ يَكُونَ اسْمَ فَاعِلٍ مِنْهُ، وَالْبَاءُ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ لِلتَّعْدِيَةِ. وَلَمَّا عَلِمَ سُلَيْمَانُ بِأَنَّهَا سَتَحْضُرُ عِنْدَهُ أَرَادَ أَنْ يَبْهَتَهَا بِإِحْضَارِ عَرْشِهَا الَّذِي تَفْتَخِرُ بِهِ وَتَعُدُّهُ نَادِرَةَ الدُّنْيَا، فَخَاطَبَ مَلَأَهُ لِيَظْهَرَ مِنْهُمْ مُنْتَهَى عِلْمِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ. فَالْبَاءُ فِي بِعَرْشِها كَالْبَاءِ فِي قَوْلِهِ: فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ [النَّمْل: ٣٧] تَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ.
وَجُمْلَةُ: قالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَؤُا مُسْتَأْنَفَةٌ ابْتِدَاءً لِجُزْءٍ مِنْ قِصَّةٍ. وَجُمْلَةُ: قالَ عِفْرِيتٌ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ جَوَابِ الْمُحَاوَرَةِ فَفُصِلَتْ عَلَى أُسْلُوبِ الْمُحَاوَرَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ. وَجُمْلَةُ: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَيْضًا جَوَابُ مُحَاوَرَةٍ.
وَمَعْنَى عِفْرِيتٌ حَسْبَمَا يُسْتَخْلَصُ مِنْ مُخْتَلَفِ كَلِمَاتِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ اسْمٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute