لِلشَّدِيدِ الَّذِي لَا يُصَابُ وَلَا يُنَالُ، فَهُوَ يُتَّقَى لِشَرِّهِ. وَأَصْلُهُ اسْمٌ لِعُتَاةِ الْجِنِّ، وَيُوصَفُ بِهِ النَّاسُ عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ.
والَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْحِكْمَةِ مِنْ حَاشِيَةِ سُلَيْمَانَ.
ومِنَ فِي قَوْلِهِ: مِنَ الْكِتابِ ابْتِدَائِيَّةٌ، أَيْ عِنْدَهُ عِلْمٌ مُكْتَسَبٌ مِنَ الْكُتُبِ، أَيْ مِنَ الْحِكْمَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ التَّوْرَاةَ. وَقَدْ عَدَّ فِي سِفْرِ الْمُلُوكِ الْأَوَّلِ فِي الْإِصْحَاحِ الرَّابِعِ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا أَهْلَ خَاصَّةِ سُلَيْمَانَ بِأَسْمَائِهِمْ وَذَكَرَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَالْقَصَصِ أَنَّ:
الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ هُوَ «آصَفُ بْنُ بَرْخِيَا» وَأَنَّهُ كَانَ وَزِيرَ سُلَيْمَانَ.
وَارْتِدَادُ الطَّرْفِ حَقِيقَتُهُ: رُجُوعُ تَحْدِيقِ الْعَيْنِ مِنْ جِهَةٍ مَنْظُورَةٍ تَحَوَّلَ عَنْهَا لَحْظَةً.
وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالِارْتِدَادِ لِأَنَّهُمْ يُعَبِّرُونَ عَنِ النَّظَرِ بِإِرْسَالِ الطَّرْفِ وَإِرْسَالِ النَّظَرِ فَكَانَ الِارْتِدَادُ اسْتِعَارَةً مَبْنِيَّةً عَلَى ذَلِكَ.
وَهَذِهِ الْمُنَاظَرَةُ بَيْنَ الْعِفْرِيتِ مِنَ الْجِنِّ وَالَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ تَرْمُزُ إِلَى أَنَّهُ يَتَأَتَّى بِالْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ مَا لَا يَتَأَتَّى بِالْقُوَّةِ، وَأَنَّ الْحِكْمَةَ مُكْتَسَبَةٌ لِقَوْلِهِ: عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ، وَأَنَّ قُوَّةَ الْعَنَاصِرِ طَبِيعَةٌ فِيهَا، وَأَنَّ الِاكْتِسَابَ بِالْعِلْمِ طَرِيقٌ لِاسْتِخْدَامِ الْقُوَى الَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ اسْتِخْدَامَ بَعْضِهَا بَعْضًا. فَذُكِرَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مَثَلًا لِتَغَلُّبِ الْعِلْمِ عَلَى الْقُوَّةِ. وَلَمَّا كَانَ هَذَانِ الرَّجُلَانِ مُسَخَّرَيْنِ لِسُلَيْمَانَ كَانَ مَا اخْتُصَّا بِهِ مِنَ الْمَعْرِفَةِ مَزِيَّةً لَهُمَا تَرْجِعُ إِلَى فَضْلِ سُلَيْمَانَ وَكَرَامَتِهِ أَنْ سَخَّرَ اللَّهُ لَهُ مِثْلَ هَذِهِ الْقُوَى. وَمَقَامُ نُبُوَّتِهِ يَتَرَفَّعُ عَنْ أَنْ يُبَاشِرَ بِنَفْسِهِ الْإِتْيَانَ بِعَرْشِ بِلْقِيسَ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَقَوْلَهُ: قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ مَثَلَانِ فِي السُّرْعَةِ وَالْأَسْرَعِيَّةِ، وَالضَّمِيرُ الْبَارِزُ فِي رَآهُ يَعُودُ إِلَى الْعَرْشِ.
وَالِاسْتِقْرَارُ: التَّمَكُّنُ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ مُبَالَغَةٌ فِي الْقَرَارِ. وَهَذَا اسْتِقْرَارٌ خَاصٌّ هُوَ غَيْرُ الِاسْتِقْرَارِ الْعَامِّ الْمُرَادِفِ لِلْكَوْنِ، وَهُوَ الِاسْتِقْرَارُ الَّذِي يُقَدَّرُ فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الْمُبْتَدَأِ بِالظَّرْفِ وَالْمَجْرُورِ لِيَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِهِمَا إِذَا وَقَعَا خَبَرًا أَوْ وَقَعَا حَالًا، إِذْ يُقَدَّرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute