للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَيْ أَلَمْ تَكُنْ غَنِيًّا عَنْ طَلَبِ الدَّلِيلِ الْمَحْسُوسِ. فَالْمُرَادُ بِالتَّقْوَى فِي كَلَامِ عِيسَى مَا يَشْمَلُ الْإِيمَانَ وَفُرُوعَهُ. وَقِيلَ: نَهَاهُمْ عَنْ طَلَبِ الْمُعْجِزَاتِ، أَيْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَقَدْ حَصَلَ إِيمَانُكُمْ فَمَا الْحَاجَةُ إِلَى الْمُعْجِزَةِ. فَأَجَابُوهُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ مَا أَرَادُوا ذَلِكَ لِضَعْفٍ فِي إِيمَانِهِمْ إِنَّمَا أَرَادُوا التَّيَمُّنَ بِأَكْلِ طَعَامٍ نَزَلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِكْرَامًا لَهُمْ، وَلِذَلِكَ زَادُوا مِنْها وَلَمْ يَقْتَصِرُوا عَلَى أَنْ نَأْكُلَ إِذْ لَيْسَ غَرَضُهُمْ مِنَ الْأَكْلِ دَفْعَ الْجُوعِ بَلِ الْغَرَضُ التَّشَرُّفُ بِأَكْلٍ مِنْ شَيْءٍ نَازِلٍ مِنَ السَّمَاءِ. وَهَذَا مِثْلُ أَكْلِ أَبِي بَكْرٍ مِنَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلَ مِنْهُ ضَيْفُهُ فِي بَيْتِهِ حِينَ انْتَظَرُوهُ بِالْعَشَاءِ إِلَى أَنْ ذَهَبَ جُزْءٌ مِنَ اللَّيْل، وَحضر أبوبكر وَغَضِبَ مِنْ تَرْكِهِمُ الطَّعَامَ، فَلَمَّا أَخَذُوا يَطْعَمُونَ جُعِلَ الطَّعَامُ يَرْبُو فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِزَوْجِهِ: مَا هَذَا يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ. وَحَمَلَ مِنَ الْغَدِ بَعْضَ ذَلِكَ الطَّعَامِ إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَ مِنْهُ.

وَلِذَلِكَ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ: وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا أَيْ بِمُشَاهَدَةِ هَذِهِ الْمُعْجِزَةِ فَإِنَّ الدَّلِيلَ الْحِسِّيَّ أَظْهَرُ فِي النَّفْسِ، وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا، أَيْ نَعْلَمُ عِلْمَ ضَرُورَةٍ لَا عِلْمَ اسْتِدْلَالٍ

فَيَحْصُلُ لَهُمُ الْعِلْمَانِ، وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ، أَيْ مِنَ الشَّاهِدِينَ عَلَى رُؤْيَةِ هَذِهِ الْمُعْجِزَةِ فَنُبَلِّغُهَا مَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا. فَهَذِهِ أَرْبَعُ فَوَائِدَ لِسُؤَالِ إِنْزَالِ الْمَائِدَةِ، كُلُّهَا دَرَجَاتٍ مِنَ الْفَضْلِ الَّذِي يَرْغَبُ فِيهِ أَمْثَالُهُمْ.

وَتَقْدِيمُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ لِلرِّعَايَةِ على الفاصلة.

[١١٤، ١١٥]

[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : الْآيَات ١١٤ إِلَى ١١٥]

قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١٤) قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لَا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (١١٥)

إِنْ كَانَ قَوْلُهُ: إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ [الْمَائِدَة: ١١٢]