مِنَ تَمَامِ الْكَلَامِ الَّذِي يُلْقِيهِ اللَّهُ عَلَى عِيسَى يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ كَانَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَهِيَ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً إِلَخْ ...
مُعْتَرِضَةً بَيْنَ جُمْلَةِ وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ [الْمَائِدَة: ١١١] وَجُمْلَةُ وَإِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ [الْمَائِدَة: ١١٦] الْآيَةَ.
وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ: إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ [الْمَائِدَة: ١١٢] الْآيَةَ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ بِتَقْدِيرِ فِعْلِ اذْكُرْ كَانَتْ جُمْلَةُ: قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا الْآيَةَ مُجَاوَبَةً لِقَوْلِ الْحَوَارِيِّينَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ [الْمَائِدَة: ١١٢] الْآيَةَ عَلَى طَرِيقَةِ حِكَايَةِ الْمُحَاوَرَاتِ.
وَقَوْلُهُ: اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً اشْتَمَلَ عَلَى نِدَاءَيْنِ، إِذْ كَانَ قَوْلُهُ: رَبَّنا بِتَقْدِيرِ حَرْفِ النِّدَاءِ. كَرَّرَ النِّدَاءَ مُبَالَغَةً فِي الضَّرَاعَةِ. وَلَيْسَ قَوْلُهُ: رَبَّنا بَدَلًا وَلَا بَيَانًا مِنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ، لِأَنَّ نِدَاءَ اللَّهُمَّ لَا يُتْبَعُ عِنْدَ جُمْهُورِ النُّحَاةِ لِأَنَّهُ جَارٍ مَجْرَى أَسْمَاءِ الْأَصْوَاتِ مِنْ أَجْلِ مَا لَحِقَهُ مِنَ التَّغْيِيرِ حَتَّى صَارَ كَأَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ. وَمِنَ النُّحَاةِ مَنْ أَجَازَ إِتْبَاعَهُ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَإِنَّ اعْتِبَارَهُ نِدَاءً ثَانِيًا أَبْلَغُ هُنَا لَا سِيَّمَا وَقَدْ شَاعَ نِدَاءُ اللَّهِ تَعَالَى رَبَّنا مَعَ حَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ كَمَا فِي الْآيَاتِ الْخَوَاتِمِ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ. وَجَمَعَ عِيسَى بَيْنَ النِّدَاءِ بِاسْمِ الذَّاتِ الْجَامِعِ لِصِفَاتِ الْجَلَالِ وَبَيْنَ النِّدَاءِ بِوَصْفِ الرُّبُوبِيَّةِ لَهُ وَلِلْحَوَارِيِّينَ اسْتِعْطَافًا لِلَّهِ لِيُجِيبَ دُعَاءَهُمْ.
وَمَعْنَى تَكُونُ لَنا عِيداً أَيْ يَكُونُ تَذَكُّرُ نُزُولِهَا بِأَنْ يَجْعَلُوا الْيَوْمَ الْمُوَافِقَ يَوْمَ نُزُولِهَا مِنْ كُلِّ سَنَةٍ عِيدًا، فَإِسْنَادُ الْكَوْنِ عِيدًا لِلْمَائِدَةِ إِسْنَادٌ مَجَازِيٌّ، وَإِنَّمَا الْعِيدُ الْيَوْمُ الْمُوَافِقُ
لِيَوْمِ نُزُولِهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ: لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا، أَيْ لِأَوَّلِ أُمَّةِ النَّصْرَانِيَّةِ وَآخِرِهَا، وَهُمُ الَّذِينَ خُتِمَتْ بِهِمُ النَّصْرَانِيَّةُ عِنْدَ الْبَعْثَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ.
وَالْعِيدُ اسْمٌ لِيَوْمٍ يَعُودُ كُلَّ سَنَةٍ، ذِكْرَى لِنِعْمَةٍ أَوْ حَادِثَةٍ وَقَعَتْ فِيهِ لِلشُّكْرِ أَوْ لِلِاعْتِبَارِ.
وَقَدْ وَرَدَ ذِكْرُهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute