للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِالدُّعَاءِ تَعْلِيلًا يُفِيدُ التَّحْذِيرَ مِنْ إِبَايَةِ دُعَاءِ اللَّهِ حِينَ الْإِقْبَالِ عَلَى دُعَاءِ الْأَصْنَامِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:

ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا [غَافِر: ١٢] وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ لَا يَضْرَعُونَ إِلَى اللَّهِ إِلَّا إِذَا لَمْ يَتَوَسَّمُوا اسْتِجَابَةَ شُرَكَائِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ [الْإِسْرَاء: ٦٧] . وَمَعْنَى التَّعْلِيلِ لِلْأَمْرِ بِالدُّعَاءِ بِهَذَا التَّحْذِيرِ: أَنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ لِعِبَادِهِ مَا يُفْضِي بِهِمْ إِلَى الْعَذَابِ، قَالَ تَعَالَى: وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ [الزمر:

٧] فَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى طَلَبِ اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يَدْعُوَهُ فِي حَاجَاتِهِمْ.

وَمَشْرُوعِيَّةُ الدُّعَاءِ لَا خِلَافَ فِيهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ يَنْفَعُ فِي رَدِّ

الْقَدَرِ أَوْ لَا؟ وَهُوَ خِلَافٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ. وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ تَأَوَّلُوا مَعْنَى أَسْتَجِبْ لَكُمْ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ الْآيَةَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٨٦] ، وَفِي الْإِتْيَانِ بِالْمَوْصُولِ إِيمَاءٌ إِلَى التَّعْلِيلِ.

وداخِرِينَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ سَيَدْخُلُونَ أَيْ أَذِلَّةً، دَخَرَ كَمَنَعَ وَفَرِحَ: صَغُرَ وَذَلَّ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ: سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ [٤٨] .

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ سَيَدْخُلُونَ بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَضَمِّ الْخَاءِ. وَقَرَأَهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَرُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْخَاءِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلنَّائِبِ، أَيْ سَيُدْخِلُهُمْ مَلَائِكَةُ الْعَذَاب جَهَنَّم.

[٦١]

[سُورَة غَافِر (٤٠) : آيَة ٦١]

اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (٦١)

يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمُ الْجَلَالَةِ بَدَلًا مِنْ رَبُّكُمُ فِي وَقالَ رَبُّكُمُ [غَافِر: ٦٠] أَتْبَعَ رَبُّكُمُ بِالِاسْمِ الْعَلَمِ لِيُقْضَى بِذَلِكَ حَقَّانِ: حَقُّ اسْتِحْقَاقِهِ أَنْ يُطَاعَ بِمُقْتَضَى الرُّبُوبِيَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ، وَحَقُّ اسْتِحْقَاقِهِ الطَّاعَةَ لِصِفَاتِ كَمَالِهِ الَّتِي يَجْمَعُهَا اسْمُ الذَّاتِ. وَلِذَلِكَ لَمْ يُؤْتَ مَعَ وَصْفِ الرَّبِّ الْمُتَقَدِّمِ بِشَيْءٍ مِنْ ذِكْرِ نِعَمِهِ وَلَا كَمَالَاتِهِ اجْتِزَاءً بِمُقْتَضَى حَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ، وَذَكَرَ مَعَ الِاسْمِ الْعَلَمِ بَعْضَ إِنْعَامِهِ وَإِفْضَالِهِ ثُمَّ وَصَفَ الِاسْمَ بِالْمَوْصُولِ وَصِلَتِهِ إِشَارَةً إِلَى بَعْضِ صِفَاتِهِ، وَإِيمَاءً إِلَى وَجْهِ الْأَمْرِ بِعِبَادَتِهِ، وَتَكون الْجُمْلَة استنئافا بَيَانِيًّا نَاشِئًا عَنْ تَقْوِيَةِ الْأَمْرِ بِدُعَائِهِ.