للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَيُعَادُ خَلْقُ كُلِّ ذَاتٍ مِنَ التُّرَابِ الَّذِي فِيهِ بَقِيَّةٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْجِسْمِ وَهِيَ ذَرَّاتٌ يَعْلَمُهَا اللَّهُ تَعَالَى.

وَالْجَرَادُ: اسْمُ جَمْعٍ وَاحِدُهُ جَرَادَةٌ وَهِيَ حَشَرَةٌ ذَاتُ أَجْنِحَةٍ أَرْبَعَةٍ مَطْوِيَّةٍ عَلَى جَنْبَيْهَا وَأَرْجُلٍ أَرْبَعَةٍ، أَصْفَرُ اللَّوْنِ.

وَالْمُنْتَشِرُ: الْمُنْبَثُّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. وَالْمُرَادُ هُنَا: الدَّبَى وَهُوَ فِرَاخُ الْجَرَادِ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ لَهُ الْأَجْنِحَةُ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ثُقْبٍ فِي الْأَرْضِ هِيَ مَبِيضَاتُ أُصُولِهِ فَإِذَا تَمَّ خَلْقُهُ خَرَجَ مِنَ الْأَرْضِ يَزْحَفُ بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ [القارعة: ٤] . وَهَذَا التَّشْبِيهُ تَمْثِيلِيٌّ لِأَنَّهُ تَشْبِيهُ هَيْئَةِ خُرُوجِ النَّاسِ مِنَ الْقُبُورِ مُتَرَاكِمِينِ بِهَيْئَةِ خُرُوجِ الْجَرَادِ مُتَعَاظِلًا يَسِيرُ غير سَاكن.

[٩]

[سُورَة الْقَمَر (٥٤) : آيَة ٩]

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (٩)

اسْتِئْنَاف بيانيّ ناشىء عَنْ قَوْلِهِ: وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ [الْقَمَر: ٤] فَإِنَّ مِنْ أَشْهَرِهَا تَكْذِيبَ قَوْمِ نُوحٍ رَسُولَهُمْ، وَسَبَقَ الْإِنْبَاءُ بِهِ فِي الْقُرْآنِ فِي السُّوَرِ النَّازِلَةِ قَبْلَ هَذِهِ السُّورَةِ. وَالْخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّذْكِيرِ وَلْيُفَرِّعْ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ. فَالْمَقْصُودُ النَّعْيُ عَلَيْهِمْ عَدَمَ ازْدِجَارِهِمْ بِمَا جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ بِتِعْدَادِ بَعْضِ الْمُهِمِّ مِنْ تِلْكَ الْأَنْبَاءِ.

وَفَائِدَةُ ذِكْرِ الظَّرْفِ قَبْلَهُمْ تَقْرِيرُ تَسْلِيَةٍ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ أَنَّ هَذِهِ شَنْشَنَةُ أَهْلِ الضَّلَالِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ [فاطر: ٤] أَلَا تَرَى أَنَّهُ ذَكَرَ فِي تِلْكَ الْآيَةِ قَوْلَهُ: مِنْ قَبْلِكَ نَظِيرَ مَا هُنَا مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّعْرِيضِ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ مُعْرِضُونَ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُقَالُ: كَذَّبَ، إِذَا قَالَ قَوْلًا يَدُلُّ عَلَى التَّكْذِيبِ، وَيُقَالُ كَذَّبَ أَيْضًا، إِذَا اعْتَقَدَ أَنَّ غَيْرَهُ كَاذِبٌ قَالَ تَعَالَى: فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ [الْأَنْعَام: ٣٣] فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ بِتَشْدِيدِ الذَّالِ، وَالْمَعْنَيَانِ مُحْتَمَلَانِ هُنَا، فَإِنْ كَانَ فِعْلُ كَذَّبَتْ هُنَا مُسْتَعْمَلًا