الْأُسْلُوبُ فِي ذِكْرِ جَزَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَجَاءَ صَرِيحًا بِمَا يَعُمُّ أَحْوَالَ الْعَذَابِ بِقَوْلِهِ:
لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ [الْأَنْعَام: ٧٠] . وَخُصَّ الشَّرَابُ مِنَ الْحَمِيمِ بِالذِّكْرِ مِنْ بَيْنِ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ لِأَنَّهُ أَكْرَهُ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ فِي مَأْلُوفِ النُّفُوسِ.
أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٧٠] . وَالْبَاءُ فِي قَوْله:
وشراب الْحَمِيم تقدم فِي قَوْله تَعَالَى: بِما كانُوا يَكْفُرُونَ لِلْعِوَضِ.
وَجُمْلَةُ: وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى آخِرِهَا اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِأَنَّهُ لَمَّا وَرَدَ ذِكْرُ جَزَاءِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَنَّهُ الْعِلَّةُ لِرُجُوعِ الْجَمِيعِ إِلَيْهِ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْعِلَّةِ مَا هُوَ جَزَاءُ الْجَمِيعِ لَا جَرَمَ يَتَشَوَّفُ السَّامِعُ إِلَى مَعْرِفَةِ جَزَاءِ الْكَافِرِينَ فَجَاءَ الِاسْتِئْنَافُ لِلْإِعْلَامِ بِذَلِكَ.
وَنُكْتَةُ تَغْيِيرِ الْأُسْلُوبِ حَيْثُ لَمْ يُعْطَفْ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ عَلَى جَزَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فَيُقَالُ:
وَيَجْزِيَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ إِلَخْ كَمَا فِي قَوْلِهِ: لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ [الْكَهْف: ٢] هُوَ الْإِشَارَةُ إِلَى الِاهْتِمَامِ بِجَزَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ وَأَنَّهُ الَّذِي يُبَادِرُ بِالْإِعْلَامِ بِهِ وَأَنَّ جَزَاءَ الْكَافِرِينَ جَدِيرٌ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ ذِكْرِهِ لَوْلَا سُؤال السامعين.
[٥]
[سُورَة يُونُس (١٠) : آيَة ٥]
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥)
هَذَا اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ أَيْضًا، فَضَمِيرُ (هُوَ) عَائِدٌ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ [يُونُس: ٣] . وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ آخَرُ عَلَى انْفِرَادِهِ تَعَالَى بِالتَّصَرُّفِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ، وَهَذَا لَوْنٌ آخَرُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْإِلَهِيَّةِ مَمْزُوجٌ بِالِامْتِنَانِ عَلَى الْمَحْجُوجِينَ بِهِ لِأَنَّ الدَّلِيلَ السَّابِقَ كَانَ مُتَضَمِّنًا لِعَظِيمِ أَمْرِ الْخَلْقِ وَسِعَةِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ بِذِكْرِ أَشْيَاءَ لَيْسَ لِلْمُخَاطَبِينَ حَظٌّ فِي التَّمَتُّعِ بِهَا. وَهَذَا الدَّلِيلُ قَدْ تَضَمَّنَ أَشْيَاءَ يَأْخُذُ الْمُخَاطَبُونَ بِحَظٍّ عَظِيمٍ مِنَ التَّمَتُّعِ بِهَا وَهُوَ خَلْقُ الشَّمْسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute