للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمِنْ دَلَالَةِ الْإِشَارَةِ أَنَّ قَوْلَهُ: فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً إِشَارَةٌ إِلَى إِبْطَالِ تَوَلِّي وَلِيِّ الْمَقْتُولِ قَتْلَ الْقَاتِلِ دُونَ حُكْمٍ مِنَ السُّلْطَانِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مَظِنَّةٌ لِلْخَطَأِ فِي تَحْقِيقِ الْقَاتِلِ، وَذَرِيعَةٌ لِحُدُوثِ قَتْلٍ آخَرَ بِالتَّدَافُعِ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ وَأَهْلِ الْقَاتِلِ، وَيَجُرُّ إِلَى الْإِسْرَافِ فِي الْقَتْلِ الَّذِي مَا حَدَثَ فِي زَمَانِ الْجَاهِلِيَّةِ إِلَّا بِمِثْلِ هَذِهِ الذَّرِيعَةِ، فَضَمِيرُ فَلا يُسْرِفْ عَائِدٌ إِلَى «وَلِيُّهُ» .

وَجُمْلَةُ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً تَعْلِيلٌ لِلْكَفِّ عَنِ الْإِسْرَافِ فِي الْقَتْلِ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى «وَلِيُّهُ» .

وَ (فِي) مِنْ قَوْلِهِ: فِي الْقَتْلِ لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ، لِأَنَّ الْإِسْرَافَ يَجُولُ فِي كَسْبٍ وَمَالٍ وَنَحْوِهِ، فَكَأَنَّهُ مَظْرُوفٌ فِي جُمْلَةِ مَا جَالَ فِيهِ.

وَلَمَّا رَأَى بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ لَا يُنَاسِبُ إِلَّا أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ الْخَالِصِينَ اسْتَبْعَدَ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ نَازِلَةً بِمَكَّةَ فَزَعَمَ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ

مُنَاسَبَتِهَا وَأَبْطَلْنَا أَنْ تَكُونَ مَكِّيَّةً فِي صَدْرِ هَذِهِ السُّورَةِ.

[٣٤]

[سُورَة الْإِسْرَاء (١٧) : آيَة ٣٤]

وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (٣٤)

وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ هَذَا مِنْ أَهَمِّ الْوَصَايَا الَّتِي أَوْصَى اللَّهُ بِهَا فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، لِأَنَّ الْعَرَبَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَسْتَحِلُّونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى لِضَعْفِهِمْ عَنِ التَّفَطُّنِ لِمَنْ يَأْكُلُ أَمْوَالَهُمْ وَقِلَّةِ نَصِيرِهِمْ لِإِيصَالِ حُقُوقِهِمْ، فَحَذَّرَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ ذَلِكَ لِإِزَالَةِ مَا عَسَى أَنْ يَبْقَى فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ أَثَرٍ مِنْ تِلْكَ الْجَاهِلِيَّةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي نَظِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ. وَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ الْعَاشِرَةُ.

وَالْقَوْلُ فِي الْإِتْيَانِ بِضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ الْمُخَاطَبِينَ كَالْقَوْلِ فِي سَابِقِيهِ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مِنْ أَحْوَالِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ.