للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَنَّهُمْ عَقِبَ ذَلِكَ صَائِرُونَ إِلَى رَبِّهِمْ يَوْمَ الْبَعْثِ مَصِيرًا لَا إِحَالَةَ فِيهِ وَلَا بُعْدَ، كَمَا يَزْعُمُونَ، فَلَمَّا صَارَ قَبْضُ الظِّلِّ مَثَلًا لِمَصِيرِ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ بِالْبَعْثِ وُصِفَ الْقَبْضُ بِيَسِيرٍ تَلْمِيحًا إِلَى قَوْلِهِ: ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ [ق: ٤٤] .

وَفِي هَذَا التَّمْثِيلِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْحَيَاةَ فِي الدُّنْيَا كَظِلٍّ يَمْتَدُّ وَيَنْقَبِضُ وَمَا هُوَ إِلَّا ظِلٌّ.

فَهَذَانِ الْمَحْمِلَانِ فِي الْآيَةِ مِنْ معجزات الْقُرْآن العملية.

[٤٧]

[سُورَة الْفرْقَان (٢٥) : آيَة ٤٧]

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (٤٧)

مُنَاسَبَةُ الِانْتِقَالِ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِاعْتِبَارِ أَحْوَالِ الظِّلِّ وَالضَّحَاءِ إِلَى الِاعْتِبَارِ بِأَحْوَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ظَاهِرَةٌ، فَاللَّيْلُ يُشْبِهُ الظِّلَّ فِي أَنَّهُ ظُلْمَةٌ تَعْقُبُ نُورَ الشَّمْسِ.

وَمَوْرِدُ الِاسْتِدْلَالِ الْمَقْصِدُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ تَعْرِيفِ جُزْأَيِ الْجُمْلَةِ وَهُوَ قَصْرُ إِفْرَادٍ، أَيْ لَا يُشْرِكُهُ غَيْرُهُ فِي جَعْلِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. أَمَّا كَوْنُ الْجَعْلِ الْمَذْكُورِ بِخَلْقِ اللَّهِ فَهُمْ يُقِرُّونَ بِهِ وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا جَعَلُوا لَهُ شُرَكَاءَ عَلَى الْإِجْمَالِ أُبْطِلَتْ شَرِكَتُهُمْ بِقَصْرِ التَّصَرُّفِ فِي الْأَزْمَانِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ إِذَا بَطُلَ تَصَرُّفُهُمْ فِي بَعْضِ الْمَوْجُودَاتِ اخْتَلَّتْ حَقِيقَةُ الْإِلَهِيَّةِ عَنْهُمْ إِذِ الْإِلَهِيَّةُ لَا تَقْبَلُ التَّجْزِئَةَ.

ولَكُمُ مُتَعَلِّقٌ بِ جَعَلَ أَيْ مِنْ جُمْلَةِ مَا خُلِقَ لَهُ اللَّيْلُ أَنَّهُ يَكُونُ لِبَاسًا لَكُمْ. وَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَنَّ اللَّيْلَ خُلِقَ لِذَلِكَ فَقَطْ لِأَنَّ اللَّيْلَ عَوْدُ الظَّلَمَةِ إِلَى جَانِبٍ مِنَ الْكُرَةِ الْأَرْضِيَّةِ الْمُحْتَجِبِ عَنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ بِاسْتِدَارَاتِهِ فَتَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ فَوَائِدُ جَمَّةٌ مِنْهَا مَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ ... [الْفرْقَان: ٦٢] إِلَخْ.

وَقَدْ رَجَعَ أُسْلُوبُ الْكَلَامِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِ إِلَى الْغَيْبَةِ عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ.

ولِباساً مُشَبَّهٌ بِهِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ، أَيْ سَاتِرًا لَكُمْ يَسْتُرُ بَعْضَكُمْ