للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الْقَصَص (٢٨) : الْآيَات ٢٠ إِلَى ٢١]

وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يَا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١)

ظَاهِرُ النَّظْمِ أَنَّ الرَّجُلَ جَاءَ عَلَى حِينِ مُحَاوَرَةِ الْقِبْطِيِّ مَعَ مُوسَى فَلِذَلِكَ انْطَوَى أَمْرُ مُحَاوَرَتِهِمَا إِذْ حَدَثَ فِي خِلَالِهِ مَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ وَأَجْدَى فِي الْقِصَّةِ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَقْصَى الْمَدِينَةِ هُوَ نَاحِيَةُ قُصُورِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ فَإِنَّ عَادَةَ الْمُلُوكِ السُّكْنَى فِي أَطْرَافِ الْمُدُنِ تَوَقِّيًا مِنَ الثَّوْرَاتِ وَالْغَارَاتِ لِتَكُونَ مَسَاكِنُهُمْ أَسْعَدَ بِخُرُوجِهِمْ عِنْدَ الْخَوْفِ. وَقَدْ قِيلَ: الْأَطْرَافُ مَنَازِلُ الْأَشْرَافِ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي تَمَّامٍ:

كَانَتْ هِيَ الْوَسَطَ الْمَحْمِيَّ فَاتَّصَلَتْ ... بِهَا الْحَوَادِثُ حَتَّى أَصْبَحَتْ طَرَفَا

فَذَلِكَ مَعْنًى آخَرُ رَاجِعٌ إِلَى انْتِقَاصِ الْعُمْرَانِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ [الْأَحْزَاب: ١٣] .

وَبِهَذَا يَظْهَرُ وَجْهُ ذِكْرِ الْمَكَانِ الَّذِي جَاءَ مِنْهُ الرَّجُلُ وَأَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَعْرِفُ مُوسَى.

والْمَلَأَ: الْجَمَاعَةُ أُولُو الشَّأْنِ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ أَيْ نُوحٍ فِي الْأَعْرَافِ [٦٠] ، وَأَرَادَ بِهِمْ أَهْلَ دَوْلَةِ فِرْعَوْنَ: فَالْمَعْنَى: أَنَّ أُولِي الْأَمْرِ يَأْتَمِرُونَ بِكَ، أَيْ يَتَشَاوَرُونَ فِي قَتْلِكَ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْقَضِيَّةَ رُفِعَتْ إِلَى فِرْعَوْنَ وَفِي سِفْرِ الْخُرُوجِ فِي الْإِصْحَاحِ الثَّانِي: «فَسَمِعَ فِرْعَوْنُ هَذَا الْأَمْرَ فَطَلَبَ أَنْ يُقْتَلَ مُوسَى» . وَلَمَّا عَلِمَ هَذَا الرَّجُلُ بِذَلِكَ أَسْرَعَ بِالْخَبَرِ لِمُوسَى لِأَنَّهُ كَانَ مُعْجَبًا بِمُوسَى وَاسْتِقَامَتِهِ. وَقَدْ قِيلَ: كَانَ هَذَا الرَّجُلُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَقِيلَ: كَانَ مِنَ الْقِبْطِ وَلَكِنَّهُ كَانَ مُؤْمِنًا يَكْتُمُ إِيمَانَهُ، لَعَلَّ اللَّهَ أَلْهَمَهُ مَعْرِفَةَ فَسَادِ الشِّرْكِ بِسَلَامَةِ فِطْرَتِهِ وَهَيَّأَهُ لِإِنْقَاذِ مُوسَى مِنْ يَدِ فِرْعَوْنَ.

وَالسَّعْيُ: السَّيْرُ السَّرِيعُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى فِي سُورَةِ طه [٢٠] . وَتَقَدَّمَ بَيَانُ حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [١٩] . وَجُمْلَةُ يَسْعى فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ رَجُلٌ