وَالتَّعْرِيفُ فِي (الْأَمْسِ) عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، أَيْ بِأَمْسِهِ إِذْ لَيْسَ هُوَ أَمْسًا لِوَقْتِ نُزُولِ الْآيَةِ.
وَالِاسْتِصْرَاخُ: الْمُبَالَغَةُ فِي الصُّرَاخِ، أَيِ النِّدَاءِ، وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي الْقِصَّةِ الْمَاضِيَةِ بِالِاسْتِغَاثَةِ فَخُولِفَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ لِلتَّفَنُّنِ. وَقَوْلُ مُوسَى لَهُ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ تَذَمُّرٌ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيِّ إِذْ كَانَ اسْتِصْرَاخُهُ السَّالِفُ سَبَبًا فِي قَتْلِ نَفْسٍ، وَهَذَا لَا يَقْتَضِي عَدَمَ إِجَابَةِ اسْتِصْرَاخِهِ وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّشَاؤُمِ وَاللَّوْمِ عَلَيْهِ فِي كَثْرَةِ خُصُومَاتِهِ.
وَالْغَوِيُّ: الشَّدِيدُ الْغَوَايَةِ وَهِيَ الضَّلَالُ وَسُوءُ النَّظَرِ، أَيْ أَنَّكَ تُشَادُّ مَنْ لَا تُطِيقُهُ ثُمَّ تَرُومُ الْغَوْثَ مِنِّي يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ ظَالِمٌ أَوْ مُفْسِدٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِعَدُوِّهِ.
وَالْبَطْشُ: الْأَخْذُ بِالْعُنْفِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الضَّرْبُ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ عَدُوٌّ لَهُما أَنَّهُ قِبْطِيٌّ.
وَرُبَّمَا جُعِلَ عَدُوًّا لَهُمَا لِأَنَّ عَدَاوَتَهُ لِلْإِسْرَائِيلِيِّ مَعْرُوفَةٌ فَاشِيَةٌ بَيْنَ الْقِبْطِ وَأَمَّا عَدَاوَتُهُ لِمُوسَى فَلِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَظْلِمَ رَجُلًا وَالظُّلْمُ عَدُوٌّ لِنَفْسِ مُوسَى لِأَنَّهُ نَشَأَ عَلَى زَكَاءِ نَفْسٍ هَيَّأَهَا اللَّهُ لِلرِّسَالَةِ. وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِنْكَارِ.
وَالْجَبَّارُ: الَّذِي يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ مِمَّا يُضِرُّ بِالنَّاسِ وَيُؤَاخِذُ النَّاسَ بِالشِّدَّةِ دُونَ الرِّفْقِ.
وَتَقَدَّمَ فِي سُورَة إِبْرَاهِيم [١٥] قَوْلُهُ وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَفِي سُورَةِ مَرْيَمَ [٣٢] قَوْلُهُ وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا.
وَالْمَعْنَى: إِنَّكَ تُحَاوِلُ أَنْ تَكُونَ مُتَصَرِّفًا بِالِانْتِقَامِ وَبِالشِّدَّةِ وَلَا تُحَاوِلُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ بِأَنْ تَسْعَى فِي التَّرَاضِي بَيْنَهُمَا. وَيَظْهَرُ أَنَّ كَلَامَ الْقِبْطِيِّ زَجْرٌ لِمُوسَى عَنِ الْبَطْشِ بِهِ وَصَارَ بَيْنَهُمَا حِوَارًا أَعْقَبَهُ مَجِيءُ رَجُلٍ مِنْ أقْصَى الْمَدِينَة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute