للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الِاقْتِضَاءِ إِذْ لَيْسَ الْمُرَادُ تَذَكُّرَ الذَّوَاتِ وَلَا ذِكْرَ أَسْمَائِهَا بَلِ الْمُرَادُ تَذَكُّرُ مَا يَنْفَعُهُمْ إِذَا وَصَلَ إِلَيْهِمْ وَذِكْرُ فَضَائِلِهِمْ.

وَقَوْلُهُ: وَاشْكُرُوا لِي أَمْرٌ بِالشُّكْرِ الْأَعَمِّ مِنَ الذِّكْرِ مِنْ وَجْهٍ أَوْ مُطْلَقًا، وَتَعْدِيَتُهُ لِلْمَفْعُولِ بِاللَّامِ هُوَ الْأَفْصَح وَتسَمى هَذِه اللَّامُ لَامَ التَّبْلِيغِ وَلَامَ التَّبْيِينِ كَمَا قَالُوا نَصَحَ لَهُ وَنَصَحَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَتَعْساً لَهُمْ [مُحَمَّد: ٨] وَقَوْلِ النَّابِغَةِ:

شَكَرْتُ لَكَ النُّعْمَى وَأَثْنَيْتُ جَاهِدًا ... وَعَطَّلْتُ أَعْرَاضَ الْعُبَيْدِ بْنِ عَامِرِ

وَقَوْلِهِ: وَلا تَكْفُرُونِ نَهْيٌ عَنِ الْكُفْرَانِ لِلنِّعْمَةِ، وَالْكُفْرَانُ مَرَاتِبُ أَعْلَاهَا جَحْدُ النِّعْمَةِ وَإِنْكَارُهَا ثُمَّ قَصْدُ إِخْفَائِهَا، ثُمَّ السُّكُوتُ عَنْ شُكْرِهَا غَفْلَةً وَهَذَا أَضْعَفُ الْمَرَاتِبِ وَقَدْ يُعْرِضُ عَنْ غَيْرِ سُوءِ قَصْدٍ لَكِنَّهُ تَقْصِيرٌ.

قَالَ ابْن عرقة: «لَيْسَ عَطْفُ قَوْلِهِ: وَلا تَكْفُرُونِ بِدَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ لَيْسَ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشُّكْرِ مُطْلَقٌ (أَيْ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ فَلَا عُمُومَ لَهُ) فَيَصْدُقُ بِشُكْرِهِ يَوْمًا وَاحِدًا فَلَمَّا قَالَ وَلا تَكْفُرُونِ أَفَادَ النَّهْيَ عَنِ الْكُفْرِ دَائِمًا» اه، يُرِيدُ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ يَعُمُّ، مِثْلَ الْفِعْلِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لِأَنَّ النَّهْيَ أَخُو النَّفْي.

[١٥٣، ١٥٤]

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : الْآيَات ١٥٣ إِلَى ١٥٤]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (١٥٣) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (١٥٤)

هَذِهِ جُمَلٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ قَوْله تَعَالَى: وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [الْبَقَرَة:

١٥٠] وَمَا اتَّصَلَ بِهِ مِنْ تَعْلِيله بقوله: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ [الْبَقَرَة: ١٥٠] وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ [الْبَقَرَة: ١٥٠] إِلَى قَوْلِهِ: وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ [الْبَقَرَة: ١٥٢] وَبَيْنَ قَوْلِهِ: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ [الْبَقَرَة: ١٧٧] لِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ تَكْمِلَةً لِدَفْعِ الْمَطَاعِنِ فِي شَأْنِ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ فَلَهُ أَشَدُّ اتِّصَال بقوله: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ الْمُتَّصِل بقوله: وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [الْبَقَرَة: ١٥٠] .

وَهُوَ اعْتِرَاضٌ مُطْنِبٌ ابْتُدِئَ بِهِ إِعْدَادُ الْمُسْلِمِينَ لِمَا هُمْ أَهْلُهُ مِنْ نَصْرِ دِينِ اللَّهِ شُكْرًا لَهُ عَلَى خَوَّلَهُمْ مِنَ النِّعَمِ الْمَعْدُودَةِ فِي الْآيَاتِ السَّالِفَةِ مِنْ جَعْلِهِمْ أُمَّةً وَسَطًا وَشُهَدَاءَ عَلَى