للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة يُوسُف (١٢) : آيَة ١٠١]

رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١)

أَعْقَبَ ذِكْرَ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ بِتَوَجُّهِهِ إِلَى مُنَاجَاةِ رَبِّهِ بِالِاعْتِرَافِ بِأَعْظَمِ نِعَمِ الدُّنْيَا وَالنِّعْمَةِ

الْعُظْمَى فِي الْآخِرَةِ، فَذَكَرَ ثَلَاثَ نِعَمٍ: اثْنَتَانِ دُنْيَوِيَّتَانِ وَهُمَا: نِعْمَةُ الْوِلَايَةِ عَلَى الْأَرْضِ وَنِعْمَةُ الْعِلْمِ، وَالثَّالِثَةُ: أُخْرَوِيَّةٌ وَهِيَ نِعْمَةُ الدِّينِ الْحَقِّ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْإِسْلَامِ- وَجَعَلَ الَّذِي أُوتِيَهُ بَعْضًا مِنَ الْمُلْكِ وَمِنَ التَّأْوِيلِ لِأَنَّ مَا أُوتِيَهُ بَعْضٌ مِنْ جِنْسِ الْمُلْكِ وَبَعْضٌ مِنَ التَّأْوِيلِ إِشْعَارًا بِأَنَّ ذَلِكَ فِي جَانِبِ مُلْكِ اللَّهِ وَفِي جَانِبِ عِلْمِهِ شَيْءٌ قَلِيلٌ. وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمُرَادُ بِالْمُلْكِ التَّصَرُّفَ الْعَظِيمَ الشَّبِيهَ بِتَصَرُّفِ الْمَلِكِ إِذْ كَانَ يُوسُفُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُ الْمُلْكَ بِرَأْيِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْمُلْكِ حَقِيقَتُهُ وَيَكُونُ التَّبْعِيضُ حَقِيقِيًّا، أَيْ آتَيْتَنِي بَعْضَ الْمُلْكِ لِأَنَّ الْمُلْكَ مَجْمُوعُ تَصَرُّفَاتٍ فِي أَمْرِ الرَّعِيَّةِ، وَكَانَ لِيُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنْ ذَلِكَ الْحَظُّ الْأَوْفَرُ، وَكَذَلِكَ تَأْوِيلُ الْأَحَادِيثِ.

وَتَقَدَّمَ مَعْنَى تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ [يُوسُف: ٦] فِي هَذِهِ السُّورَةِ.

وفاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ نِدَاءٌ مَحْذُوفٌ حَرْفُ نِدَائِهِ. وَالْفَاطِرُ: الْخَالِقُ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١٤] .

وَالْوَلِيُّ: النَّاصِرُ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ.

وَجُمْلَةُ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ مِنْ قَبِيلِ الْخَبَرِ فِي إِنْشَاءِ الدُّعَاءِ وَإِنْ أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى الْإِخْبَارِ بِالنِّسْبَةِ لِوِلَايَةِ الدُّنْيَا، قِيلَ لِإِثْبَاتِهِ ذَلِكَ الشَّيْءَ لِوِلَايَةِ الْآخِرَةِ. فَالْمَعْنَى:

كُنْ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.