وَالْمَجِيءُ فِي قَوْلِهِ: وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ نِعْمَةٌ، فَأَسْنَدَهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَجِيئُهُمْ بِقَصْدِ الِاسْتِيطَانِ حَيْثُ هُوَ.
وَالْبَدْوُ: ضِدُّ الْحَضَرِ، سُمِّيَ بَدْوًا لِأَنَّ سُكَّانَهُ بَادُونَ، أَيْ ظَاهِرُونَ لِكُلِّ وَارِدٍ، إِذْ لَا تَحْجُبُهُمْ جُدْرَانٌ وَلَا تُغْلَقُ عَلَيْهِمْ أَبْوَابٌ. وَذِكْرُ مِنَ الْبَدْوِ إِظْهَارٌ لِتَمَامِ النِّعْمَةِ، لِأَنَّ انْتِقَالَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ ارْتِقَاءٌ فِي الْحَضَارَةِ.
وَالنَّزْغُ: مَجَازٌ فِي إِدْخَالِ الْفَسَادِ فِي النَّفْسِ. شُبِّهَ بِنَزْغِ الرَّاكِبِ الدَّابَّةَ وَهُوَ نَخْسُهَا.
وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [٢٠٠] .
وَجُمْلَةُ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا لِقَصْدِ الِاهْتِمَامِ بِهَا وَتَعْلِيمِ مَضْمُونِهَا.
وَاللُّطْفُ: تَدْبِيرُ الْمُلَائِمِ. وَهُوَ يَتَعَدَّى بِاللَّامِ عَلَى تَقْدِيرِ لَطِيفٌ لِأَجْلِ مَا يَشَاءُ اللُّطْفُ بِهِ، وَيَتَعَدَّى بِالْبَاءِ قَالَ تَعَالَى: اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ [الشورى: ١٩] . وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ مَعْنَى اللُّطْفِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١٠٣] .
وَجُمْلَةُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ مُسْتَأْنَفَةٌ أَيْضًا أَوْ تَعْلِيلٌ لِجُمْلَةِ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ. وَحَرْفُ التَّوْكِيدِ لِلِاهْتِمَامِ، وَتَوْسِيطُ ضَمِيرِ الْفَصْلِ لِلتَّقْوِيَةِ.
وَتَفْسِيرُ الْعَلِيمُ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٣٢] . والْحَكِيمُ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ أَوَاسِطَ سُورَة الْبَقَرَة [٢٠٩] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute