وَمِنْ قَوْلِهِ: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ إِلَى قَوْلِهِ: مِنَ الصَّالِحِينَ [الْقَلَم:
٤٨- ٥٠] مَدَّنِيٌّ، وَمِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الْقَلَم: ٥١] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ مَكِّيٌّ.
وَفِي «الْإِتْقَانِ» عَنِ السَّخَاوِيِّ: أَنَّ الْمَدَنِيَّ مِنْهَا مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّا بَلَوْناهُمْ إِلَى لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ [الْقَلَم: ١٧- ٣٣] وَمِنْ قَوْلِهِ: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ إِلَى قَوْلِهِ: مِنَ الصَّالِحِينَ [الْقَلَم: ٤٨- ٥٠] فَلَمْ يَجْعَلْ قَوْلَهُ: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَى قَوْلِهِ: فَهُمْ يَكْتُبُونَ [الْقَلَم:
٣٤- ٤٧] مَدَنِيًّا خِلَافًا لِمَا نَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَهَذِهِ السُّورَةُ عَدَّهَا جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ ثَانِيَةَ السُّورِ نُزُولًا قَالَ: نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وَبَعْدَهَا سُورَةُ الْمُزَّمِّلِ ثُمَّ سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ، وَالْأَصَحُّ حَدِيثُ عَائِشَةَ «أَنَّ أَوَّلَ مَا أُنْزِلَ
سُورَةُ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ثُمَّ فَتَرَ الْوَحْيُ ثُمَّ نَزَلَتْ سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ» .
وَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ سُورَةَ الْمُدَّثِّرِ نَزَلَتْ بَعْدَ فَتْرَةِ الْوَحْيِ» يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
وَفِي «تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ» : أَنَّ مُعْظَمَ السُّورَةِ نَزَلَ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَأَبِي جَهْلٍ.
وَاتَّفَقَ الْعَادُّونَ عَلَى عَدِّ آيِهَا ثِنْتَيْنِ وَخَمْسِينَ.
أَغْرَاضُهَا
جَاءَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْإِيمَاءُ بِالْحَرْفِ الَّذِي فِي أَوَّلِهَا إِلَى تَحَدِّي الْمُعَانِدِينَ بِالتَّعْجِيزِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِ سُوَرِ الْقُرْآنِ، وَهَذَا أَوَّلُ التَّحَدِّي الْوَاقِعِ فِي الْقُرْآنِ إِذْ لَيْسَ فِي سُورَةِ الْعَلَقِ وَلَا فِي الْمُزَّمِّلِ وَلَا فِي الْمُدَّثِّرِ إِشَارَةٌ إِلَى التَّحَدِّي وَلَا تَصْرِيحٌ.
وَفِيهَا إِشَارَةٌ إِلَى التَّحَدِّي بِمُعْجِزَةِ الْأُمِّيَّةِ بِقَوْلِهِ: وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ [الْقَلَم: ١] .
وَابْتُدِئَتْ بِخِطَابِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأْنِيسًا لَهُ وَتَسْلِيَةً عَمَّا لَقِيَهُ مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ.
وَإِبْطَالُ مَطَاعِنِ الْمُشْرِكِينَ فِي النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَإِثْبَاتُ كَمَالَاتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهَدْيِهِ وَضَلَالِ مُعَانَدِيهِ وَتَثْبِيتِهِ.
وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِالْقَسَمِ بِمَا هُوَ مِنْ مَظَاهِرِ حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَعْلِيمِ الْإِنْسَانِ