وَ (مَنْ) الْأَظْهَرُ أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ كَمَا يُرَجِّحُهُ عَطْفُ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا عَلَيْهِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً لَا سِيَّمَا وَهِيَ فِي مَعْنَى التَّفْصِيلِ لِقَوْلِهِ: مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ. فَإِنْ كَانَتْ شَرْطِيَّةً فَاقْتِرَانُ فَلا خَوْفٌ بِالْفَاءِ بَيِّنٌ، وَإِنْ جُعِلَتْ مَوْصُولَةً فَالْفَاءُ لِمُعَامَلَةِ الْمَوْصُولِ مُعَاملَة الشَّرْط، والاستعمالات مُتَقَارِبَانِ.
وَمَعْنَى أَصْلَحَ فَعَلَ الصَّلَاحَ، وَهُوَ الطَّاعَةُ لِلَّهِ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى، لِأَنَّ اللَّهَ مَا أَرَادَ بِشَرْعِهِ إِلَّا إِصْلَاحَ النَّاسِ كَمَا حَكَى عَنْ شُعَيْبٍ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ [هود:
٨٨] .
وَالْمَسُّ حَقِيقَتُهُ مُبَاشَرَةُ الْجِسْمِ بِالْيَدِ وَهُوَ مُرَادِفُ اللَّمْسِ وَالْجَسِّ، وَيُسْتَعَارُ لِإِصَابَةِ جِسْمٍ جِسْمًا آخَرَ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ [٧٣] . وَيُسْتَعَارُ أَيْضًا لِلتَّكَيُّفِ بِالْأَحْوَالِ كَمَا يُقَالُ: بِهِ مَسٌّ مِنَ الْجُنُونِ. قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ [الْأَعْرَاف: ٢٠١] .
وَجَمَعَ الضَّمَائِرَ الْعَائِدَةَ إِلَى (مِنْ) مُرَاعَاةً لِمَعْنَاهَا، وَأَمَّا إِفْرَادُ فِعْلِ آمَنَ وأَصْلَحَ
فَلِرَعْيِ لَفْظِهَا.
وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَ (مَا) مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ بِسَبَبِ فِسْقِهِمْ. وَالْفِسْقُ حَقِيقَتُهُ الْخُرُوجُ عَنْ حَدِّ الْخَيْرِ. وَشَاعَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْقُرْآنِ فِي مَعْنَى الْكُفْرِ وَتَجَاوُزِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى. وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٦] .
وَجِيءَ بِخَبَرِ (كَانَ) جملَة مضارعية لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ فِسْقَهُمْ كَانَ مُتَجَدِّدًا مُتَكَرِّرًا، عَلَى أَنَّ الْإِتْيَانَ بِ (كَانَ) أَيْضًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ لِأَنَّ (كَانَ) إِذَا لَمْ يُقْصَدْ بِهَا انْقِضَاءُ خَبَرِهَا فِيمَا مَضَى دَلَّتْ عَلَى اسْتِمْرَارِ الْخَبَرِ بِالْقَرِينَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [النِّسَاء: ٩٦] .
[٥٠]
[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ٥٠]
قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (٥٠)
قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحى إِلَيَّ.