وَمَا صدق الْمَوْصُولِ فِي قَوْلِهِ: مَا اكْتَسَبُوا سَيِّئًا، أَيْ بِغَيْرِ مَا اكتسبوا من سيّىء.
وَمَعْنَى احْتَمَلُوا كَلَّفُوا أَنْفُسَهُمْ حِمْلًا، وَذَلِكَ تَمْثِيلٌ لِلْبُهْتَانِ بِحِمْلٍ ثَقِيلٍ عَلَى صَاحِبِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً
فِي سُورَة النِّسَاء [١١٢] .
[٥٩]
[سُورَة الْأَحْزَاب (٣٣) : آيَة ٥٩]
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥٩)
أُتْبِعَ النَّهْيُ عَنْ أَذَى الْمُؤْمِنَاتِ بِأَنْ أُمِرْنَ بِاتِّقَاءِ أَسْبَابِ الْأَذَى لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْمَطَالِبِ السَّعْيَ فِي تَذْلِيلِ وَسَائِلِهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها [الْإِسْرَاء:
١٩] وَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ:
تَرْجُو النَّجَاةَ وَلَمْ تَسْلُكْ مَسَالِكَهَا ... إِنَّ السَّفِينَةَ لَا تَجْرِي عَلَى الْيَبَسِ
وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى قَاعِدَةِ التَّعَاوُنِ عَلَى إِقَامَةِ الْمَصَالِحِ وَإِمَاتَةِ الْمَفَاسِدِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «رَحِمَ اللَّهُ وَالِدًا أَعَانَ وَلَدَهُ عَلَى بِرِّهِ» .
وَهَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفُ السَّنَدِ لَكِنَّهُ صَحِيحُ الْمَعْنَى لِأَنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ مَطْلُوبٌ، فَالْإِعَانَةُ عَلَيْهِ إِعَانَةٌ عَلَى وُجُودِ الْمَعْرُوفِ وَالْخَيْرِ.
وَابْتُدِئَ بِأَزْوَاجِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَنَاتِهِ لِأَنَّهُنَّ أَكْمَلُ النِّسَاءِ، فَذِكْرُهُنَّ مِنْ ذِكْرِ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ.
وَالنِّسَاءُ: اسْمُ جَمْعٍ لِلْمَرْأَةِ لَا مُفْرَدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَلا نِسائِهِنَّ [الْأَحْزَاب: ٥٥] . فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالنِّسَاءِ هُنَا أَزْوَاجَ الْمُؤْمِنِينَ بَلِ الْمُرَادُ الْإِنَاثُ الْمُؤْمِنَاتُ، وَإِضَافَتُهُ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَعْنَى (مِنْ) أَيِ النِّسَاءِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
وَالْجَلَابِيبُ: جَمْعُ جِلْبَابٍ وَهُوَ ثَوْبٌ أَصْغَرُ مِنَ الرِّدَاءِ وَأَكْبَرُ مِنَ الْخِمَارِ وَالْقِنَاعِ، تَضَعُهُ الْمَرْأَةُ عَلَى رَأْسِهَا فَيَتَدَلَّى جَانِبَاهُ عَلَى عِذَارَيْهَا وَيَنْسَدِلُ سائره على كتفها وَظَهْرِهَا، تَلْبَسُهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ وَالسَّفَرِ.