للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَلَوْ كُنْتَ فِي جُبٍّ ثَمَانِينَ قَامَةً ... وَرُقِّيتَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ

وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى لَا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ [سبأ: ٢٢] ، وَلَمْ تَقَعْ مِثْلُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي آيَةِ سُورَة الشورى [٣٠، ٣١] وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ لِأَنَّ تِلْكَ الْآيَةَ جَمَعَتْ خِطَابًا لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ بِقَوْلِهِ وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى: ٣٠] إِذِ الْعَفْوُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ. وَمَا هُنَا مِنَ الْمُبَالَغَةِ الْمَفْرُوضَةِ وَهِيَ مِنَ الْمُبَالَغَةِ الْمَقْبُولَةِ كَمَا فِي قَوْلِ أُبَيِّ بْنِ سُلَمِيٍّ الضَّبِّيِّ:

وَلَوْ طَارَ ذُو حَافِرٍ قَبْلَهَا ... لَطَارَتْ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَطِرْ

وَهِيَ أَظْهَرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا [الرَّحْمَن: ٣٣] . وَفِي هَذِه إِشَارَةٌ إِلَى إِبْطَالِ اغْتِرَارِهِمْ بِتَأْخِيرِ

الْوَعِيدِ الَّذِي تَوَعَّدُوهُ فِي الدُّنْيَا.

وَلَمَّا آيَسَهُمْ مِنَ الِانْفِلَاتِ بِأَنْفُسِهِمْ فِي جَمِيعِ الْأَمْكِنَةِ أَعْقَبَهُ بِتَأْيِيسِهِمْ مِنَ الِانْفِلَاتِ مِنَ الْوَعِيدِ بِسَعْيِ غَيْرِهِمْ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَتَوَسَّطُونَ فِي دَفْعِ الْعَذَابِ عَنْهُمْ بِنَحْوِ السِّعَايَةِ أَوِ الشَّفَاعَةِ، أَوْ مِنْ نُصَرَاءٍ يُدَافِعُونَ عَنْهُمْ بالمغالبة وَالْقُوَّة.

[٢٣]

[سُورَة العنكبوت (٢٩) : آيَة ٢٣]

وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٣)

بَيَانٌ لِمَا فِي قَوْلِهِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ [العنكبوت: ٢١] وَإِنَّمَا عُطِفَ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْإِخْبَارِ بِأَنَّهُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ وَأَنَّهُ يُصِيبُهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ.

وَالْكُفْرُ بِآيَاتِ اللَّهِ: هُوَ كُفْرُهُمْ بِالْقُرْآنِ. وَالْكُفْرُ بِلِقَائِهِ: إِنْكَارُ الْبَعْثِ.

وَاسْمُ الْإِشَارَةِ يُفِيدُ أَنَّ مَا سَيَذْكُرُهُ بَعْدَهُ نَالَهُمْ مِنْ أَجْلِ مَا ذُكِرَ قَبْلَ اسْمِ الْإِشَارَةِ مِنْ أَوْصَافٍ، أَيْ أَنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا الْيَأْسَ مِنَ الرَّحْمَةِ وَإِصَابَتَهُمْ بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ لِأَجْلِ كُفْرِهِمْ بِالْقُرْآنِ وَإِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ عَلَى أُسْلُوبِ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: ٥] .