للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمَسُّ مَجَازٌ فِي الْإِصَابَةِ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَسِّ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْجِسْمِ، فَاسْتُعْمِلَ فِي الْإِصَابَةِ بِجَامِعِ الِاتِّصَالِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ [الْأَنْعَام: ٤٩] ، فَهُوَ دَالٌّ عَلَى مُطْلَقِ الْإِصَابَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِشِدَّةٍ أَوْ ضَعْفٍ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ فِي الشِّدَّةِ أَوِ الضَّعْفِ إِلَى الْقَرِينَةِ، مِثْلَ أَلِيمٌ هُنَا، وَمِثْلَ قَوْلِهِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ [الْأَنْعَام: ٤٩] فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى، وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ الْحَكَمِ الْكِلَابِيُّ مِنْ شُعَرَاءِ الْحَمَاسَةِ:

مَسِسْنَا مِنَ الْآبَاءِ شَيْئًا وَكُلُّنَا ... إِلَى حَسَبٍ فِي قَوْمِهِ غَيْرِ وَاضِعٍ

أَيْ تَتَبَّعْنَا أُصُولَ آبَائِنَا.

وَالْمُرَادُ بِ الَّذِينَ كَفَرُوا عَيْنُ الْمُرَادِ بِ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ فَعَدَلَ عَنِ التَّعْبِيرِ عَنْهُمْ بِضَمِيرِهِمْ إِلَى الصِّلَةِ الْمُقَرَّرَةِ لِمَعْنَى كُفْرِهِمُ الْمَذْكُورِ آنِفًا بِقَوْلِهِ: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِلَخْ، لِقَصْدِ تَكْرِيرِ تَسْجِيلِ كُفْرِهِمْ وَلِيَكُونَ اسْمُ الْمَوْصُولِ مُومِئًا إِلَى سَبَبِ الْحُكْمِ الْمُخْبَرِ بِهِ عَنْهُ. وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْله مِنْهُمْ بَيَانا لِلَّذِينَ كَفَرُوا قُصِدَ مِنْهُ الِاحْتِرَاسُ عَنْ أَنْ يَتَوَهَّمَ السَّامِعُ أَنَّ هَذَا وَعِيدٌ لِكُفَّارٍ آخَرِينَ.

وَلَمَّا تَوَعَّدَهُمُ اللَّهُ أَعْقَبَ الْوَعِيدَ بِالتَّرْغِيبِ فِي الْهِدَايَةِ فَقَالَ: أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ. فَالتَّوْبَةُ هِيَ الْإِقْلَاعُ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالرُّجُوعُ إِلَى الِاعْتِقَادِ الْحَقِّ.

وَالِاسْتِغْفَارُ طَلَبُ مَغْفِرَةِ مَا سَلَفَ مِنْهُمْ فِي الْمَاضِي وَالنَّدَمُ عَمَّا فَرَطَ مِنْهُمْ مِنْ سُوءِ الِاعْتِقَادِ.

وَقَوْلُهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ تَذْيِيلٌ بِثَنَاءٍ عَلَى اللَّهِ بِأَنَّهُ يَغْفِرُ لِمَنْ تَابَ وَاسْتَغْفَرَ مَا سَلَفَ مِنْهُ، لِأَنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمُبَالَغَةِ يَدُلَّانِ عَلَى شِدَّةِ الْغُفْرَانِ وَشِدَّةِ الرَّحْمَةِ، فَهُوَ وَعْدٌ بِأَنَّهُمْ إِنْ تَابُوا وَاسْتَغْفَرُوهُ رَفَعَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ بِرَحْمَتِهِ وَصَفَحَ عَمَّا سَلَفَ مِنْهُم بغفرانه.

[٧٥]

[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : آيَة ٧٥]

مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ