للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(٧٥)

اسْتِئْنَافٌ لِتِبْيَانِ وَصْفِ الْمَسِيحِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَوَصْفِ أُمِّهِ زِيَادَةً فِي إِبْطَالِ مُعْتَقَدِ النَّصَارَى إِلَهِيَّةِ الْمَسِيحِ وَإِلَهِيَّةِ أُمِّهِ، إِذْ قَدْ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ [الْمَائِدَة: ٧٣] أَرَادُوا بِهِ إِلَهِيَّةَ الْمَسِيحِ. وَذَلِكَ مُعْتَقَدُ جَمِيعِ النَّصَارَى. وَفَرَّعَتْ طَائِفَةٌ مِنَ النّصارى يلقّبون (بالرّكوسيّة) (وَهُمْ أَهْلُ مِلَّةٍ نَصْرَانِيَّةٍ صَابِئَةٍ) عَلَى إِلَهِيَّةِ عِيسَى إِلَهِيَّةَ أُمِّهِ وَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ مُعْتَقَدُهُمْ لَمَا وَقَعَ التَّعَرُّضُ لِوَصْفِ مَرْيَمَ وَلَا لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى بَشَرِيَّتِهَا بِأَنَّهُمَا كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ.

فَقَوْلُهُ: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَصْرٌ مَوْصُوفٌ عَلَى صِفَةٍ، وَهُوَ قَصْرٌ إِضَافِيٌّ، أَيِ الْمَسِيحُ مَقْصُورٌ عَلَى صِفَةِ الرِّسَالَةِ لَا يَتَجَاوَزُهَا إِلَى غَيْرِهَا، وَهِيَ الْإِلَهِيَّةُ.

فَالْقَصْرُ قَصْرُ قَلْبٍ لِرَدِّ اعْتِقَادِ النَّصَارَى أَنَّهُ اللَّهُ.

وَقَوْلُهُ: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ صِفَةٌ لِرَسُولٍ أُرِيدَ بِهَا أَنَّهُ مُسَاوٍ لِلرُّسُلِ الْآخَرِينَ الَّذِينَ مَضَوْا قَبْلَهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِدْعًا فِي هَذَا الْوَصْفِ وَلَا هُوَ مُخْتَصٌّ فِيهِ بِخُصُوصِيَّةٍ لَمْ تَكُنْ لِغَيْرِهِ فِي وَصْفِ الرِّسَالَةِ، فَلَا شُبْهَةَ لِلَّذِينَ ادَّعَوْا لَهُ الْإِلَهِيَّةَ، إِذْ لم يجىء بِشَيْءٍ زَائِدٍ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَمَا جَرَتْ عَلَى يَدَيْهِ إِلَّا مُعْجِزَاتٌ كَمَا جَرَتْ عَلَى أَيْدِي رُسُلٍ قَبْلَهُ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ صِفَاتُهَا فَقَدْ تَسَاوَتْ فِي أَنَّهَا خَوَارِقُ عَادَاتٍ وَلَيْسَ بَعْضُهَا بِأَعْجَبَ مِنْ بَعْضٍ، فَمَا كَانَ إِحْيَاؤُهُ الْمَوْتَى بِحَقِيقٍ أَنْ يُوهِمَ إِلَهِيَّتَهُ. وَفِي هَذَا نِدَاءٌ عَلَى غَبَاوَةِ الْقَوْمِ الَّذِينَ اسْتَدَلُّوا عَلَى إِلَهِيَّتِهِ بِأَنَّهُ أَحْيَا الْمَوْتَى مِنَ الْحَيَوَانِ فَإِنَّ مُوسَى أَحْيَا الْعَصَا وَهِيَ جَمَادٌ فَصَارَتْ حَيَّةً.

وَجُمْلَةُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ.

وَالْقَصْدُ مِنْ وَصْفِهَا بِأَنَّهَا صِدِّيقَةٌ نَفْيُ أَنْ يَكُونَ لَهَا وَصْفٌ أَعْلَى مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ