[سُورَة الْإِسْرَاء (١٧) : الْآيَات ٤ إِلَى ٥]
وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (٤) فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً (٥)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ [الْإِسْرَاء: ٢] ، أَيْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ هُدًى، وَبَيَّنَّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ مَا يَحِلُّ بِهِمْ مِنْ جَرَّاءِ مُخَالَفَةِ هَدْيِ التَّوْرَاةِ إِعْلَامًا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَدَّخِرْ أُولَئِكَ إِرْشَادًا وَنُصْحًا، فَالْمُنَاسَبَةُ ظَاهِرَةٌ.
وَالْقَضَاءُ بِمَعْنَى الْحُكْمِ وَهُوَ التَّقْدِيرُ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْقَضَاءَ ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَتَعْدِيَةُ قَضَيْنا بِحَرْفِ (إِلَى) لِتَضْمِينِ قَضَيْنا مَعْنَى (أَبْلَغْنَا) ، أَيْ قَضَيْنَا وَأَنْهَيْنَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ [٦٦] . فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِ (الْكِتَابِ) كِتَابَ التَّوْرَاةِ وَالتَّعْرِيفُ لِلْعَهْدِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْكِتَابَ آنِفًا، وَيُوجَدُ فِي مَوَاضِعَ، مِنْهَا مَا هُوَ قَرِيبٌ مِمَّا فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَكِنْ بِإِجْمَالٍ (انْظُرِ الْإِصْحَاحَ ٢٦ وَالْإِصْحَاحَ
٢٨ وَالْإِصْحَاحَ ٣٠) ، فَيَكُونُ الْعُدُولُ عَنِ الْإِضْمَارِ إِلَى إِظْهَارِ لَفْظِ (الْكِتَابِ) لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ بَعْضَ كُتُبِهِمُ الدِّينِيَّةِ. فَتَعْرِيفُ (الْكِتَابِ) تَعْرِيفُ الْجِنْسِ وَلَيْسَ تَعْرِيفَ الْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ، إِذْ لَيْسَ هُوَ الْكِتَابُ الْمَذْكُورُ آنِفًا فِي قَوْلِهِ: وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ [الْإِسْرَاء: ٢] لِأَنَّهُ لَمَّا أَظْهَرَ اسْمَ الْكِتَابِ أَشْعَرَ بِأَنَّهُ كِتَابٌ آخَرُ مِنْ كُتُبِهِمْ، وَهُوَ الْأَسْفَارُ الْمُسَمَّاةُ بِكُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ: أَشْعِيَاءَ، وَأَرْمِيَا، وَحِزْقِيَالَ، وَدَانْيَالَ، وَهِيَ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ التَّوْرَاةِ. وَكَذَلِكَ كِتَابُ النَّبِيِّ مَلَاخِي.
وَالْإِفْسَادُ مَرَّتَيْنِ ذُكِرَ فِي كِتَابِ أَشْعِيَاءَ وَكِتَابِ أَرْمِيَاءَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute