الْمَجْرُورِ عَلَى أَنَّ لَا مُقْحَمَةٌ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ. وَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَ الْعَطْفُ عَطْفَ جُمْلَةٍ وَتَكُونَ لَا نَافِيَةً لِلْجِنْسِ وأَصْغَرَ اسْمَهَا مَبْنِيًّا عَلَى الْفَتْحِ فَيَكُونَ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ.
وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَخَلَفٌ وَيَعْقُوبُ وَلَا أَصْغَرُ- وَلَا أَكْبَرُ بِرَفْعِهِمَا بِاعْتِبَارِ عَطْفِ أَصْغَرَ عَلَى مَحَلِّ مِثْقالِ لِأَنَّهُ فَاعِلُ يَعْزُبُ فِي الْمَعْنَى، وَكَسْرَتُهُ كَسْرَةُ جَرِّ الْحَرْفِ الزَّائِدِ وَهُوَ وَجْهٌ مِنْ فَصِيحِ الِاسْتِعْمَالِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ عَطْفِ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ وَتَكُونُ لَا نَافِيَةً عَامِلَةً عَمَلَ لَيْسَ وأَصْغَرَ اسْمَهَا.
وَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ قِرَاءَتَيْ نَصْبِ أَصْغَرَ وَرَفْعِهِ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ بِمَعْنَى (لَكِنَّ) ، أَيْ لَا يَعْزُبُ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ حَاضِرٌ فِي كِتَابٍ، وَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا مِنْ عُمُومِ أَحْوَالِ عُزُوبِ مِثْقَالِ الذَّرَّةِ وَأَصْغَرَ مِنْهَا وَأَكْبَرَ. وَتَأْوِيلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ. وَالْمَعْنَى لَا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ إِلَّا فِي حَالِ كَوْنِهِ
فِي كِتَابٍ مُبِينٍ، أَيْ إِلَّا مَعْلُومًا مَكْتُوبًا وَيَعْلَمُ السَّامِعُ أَنَّ الْمَكْتُوبَ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْزُبَ، فَيَكُونَ انْتِفَاءُ عُزُوبِهِ حَاصِلًا بِطَرِيقٍ بُرْهَانِيٍّ.
وَالْمَجْرُورُ عَلَى هَذَا كُلِّهِ فِي مَحَلِّ الْحَالِ، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مِنَ الْقِرَاءَتَيْنِ يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا وَالْمَجْرُورُ ظَرْفًا مُسْتَقِلًّا فِي مَحَلِّ خَبَرِ (لَا) النَّافِيَةِ فَهُوَ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ أَوْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ، أَيْ لَا يُوجَدُ أَصْغَرُ مِنَ الذَّرَّةِ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ [الْأَنْعَام: ٥٩] .
وَالْكِتَابُ: عِلْمُ اللَّهِ، اسْتُعِيرَ لَهُ الْكِتَابُ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ لَا يُخَالِفُ الْحَقَّ بِزِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ. وَمُبِينٌ: اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَبَانَ بِمَعْنَى بَانَ، أَيْ وَاضِحٍ بَيِّنٍ لَا احْتِمَال فِيهِ.
[٦٢- ٦٤]
[سُورَة يُونُس (١٠) : الْآيَات ٦٢ إِلَى ٦٤]
أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٦٣) لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٤)
اسْتِئْنَافٌ لِلتَّصْرِيحِ بِوَعْدِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُعَرَّضِ بِهِ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ [يُونُس: ٦١] الْآيَةَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute