وَبِتَسْلِيَةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا يُلَاقِيهِ مِنَ الْكُفَّارِ مِنْ أَذًى وَتَهْدِيدٍ، إِذْ أَعْلَنَ اللَّهُ لِلنَّبِيءِ وَالْمُؤْمِنِينَ بِالْأَمْنِ مِنْ مَخَافَةِ أَعْدَائِهِمْ، وَمِنَ الْحُزْنِ مِنْ جَرَّاءَ ذَلِكَ، وَلَمَّحَ لَهُمْ بِعَاقِبَةِ النَّصْرِ، وَوَعَدَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْآخِرَةِ وَعْدًا لَا يَقْبَلُ التَّغْيِيرَ وَلَا التَّخَلُّفَ تَطْمِينًا لِنُفُوسِهِمْ، كَمَا أَشْعَرَ بِهِ قَوْلُهُ عَقِبَهُ تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ.
وَافْتِتَاحُ الْكَلَامِ بِأَدَاةِ التَّنْبِيهِ إِيمَاءً إِلَى أَهَمِّيَّةِ شَأْنِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٢] ، وَلِذَلِكَ أُكِّدَتِ الْجُمْلَةُ بِ إِنَّ بَعْدَ أَدَاةِ التَّنْبِيهِ.
وَفِي التَّعْبِيرِ بِ أَوْلِياءَ اللَّهِ دُونَ أَنْ يُؤْتَى بِضَمِيرِ الْخِطَابِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى وُقُوعِهِ عقب قَوْله: وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ [يُونُس: ٦١] يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ قَدْ حَقَّ لَهُمْ أَنَّهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ مَعَ إِفَادَةِ حُكْمٍ عَامٍّ شَمِلَهُمْ وَيَشْمَلُ مَنْ يَأْتِي عَلَى طَرِيقَتِهِمْ.
وَجُمْلَةُ: لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ خَبَرُ إِنَّ.
وَالْخَوْفُ: تَوَقُّعُ حُصُولِ الْمَكْرُوهِ لِلْمُتَوَقَّعِ، فَيَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ إِلَى الشَّيْءِ الْمُتَوَقَّعِ حُصُولُهُ.
فَيُقَالُ: خَافَ الشَّيْءَ، قَالَ تَعَالَى: فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ [آل عمرَان: ١٧٥] . وَإِذَا كَانَ تَوَقُّعُ حُصُولِ الْمَكْرُوهِ لِغَيْرِ الْمُتَوَقِّعِ يُقَالُ لِلْمُتَوَقَّعِ: خَافَ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ
عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
[الشُّعَرَاء: ١٣٥] .
وَقَدِ اقْتَضَى نَظْمُ الْكَلَامِ نَفْيَ جِنْسِ الْخَوْفِ لِأَنَّ (لَا) إِذَا دَخَلَتْ عَلَى النَّكِرَةِ دَلَّتْ عَلَى نَفْيِ الْجِنْسِ، وَأَنَّهَا إِذَا بُنِيَ الِاسْمُ بَعْدَهَا عَلَى الْفَتْحِ كَانَ نَفْيُ الْجِنْسِ نَصًّا وَإِذَا لَمْ يُبْنَ الِاسْمُ عَلَى الْفَتْحِ كَانَ نَفْيُ الْجِنْسِ ظَاهِرًا مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يُرَادَ نَفْيُ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ إِذَا كَانَ الْمَقَامُ صَالِحًا لِهَذَا الِاحْتِمَالِ، وَذَلِكَ فِي الْأَجْنَاسِ الَّتِي لَهَا أَفْرَادٌ مِنَ الذَّوَاتِ مِثْلَ رَجُلٍ، فَأَمَّا أَجْنَاسُ الْمَعَانِي فَلَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا ذَلِكَ الِاحْتِمَالُ فَيَسْتَوِي فِيهَا رَفْعُ اسْمِ (لَا) وَبِنَاؤُهُ عَلَى الْفَتْحِ، كَمَا فِي قَوْلِ إِحْدَى نِسَاءِ حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ «زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ لَا حَرٌّ وَلَا قَرٌّ وَلَا مَخَافَةَ وَلَا سَآمَةَ» فَقَدْ رُوِيَتْ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ بِالرَّفْعِ وَبِالْبِنَاءِ عَلَى الْفَتْحِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute