للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِالْقُوَّةِ إِنْ أَرَادَ أَنْ يُكْرِهَهُمْ عَلَى الدُّخُولِ تَحْتَ طَاعَتِهِ لِأَنَّهُمْ حَمَلُوا مَا تَضَمَّنَهُ كِتَابُهُ عَلَى مَا قَدْ يُفْضِي إِلَى هَذَا.

وَمَعَ إِظْهَارِ هَذَا الرَّأْيِ فَوَّضُوا الْأَمْرَ إِلَى الْمَلِكَةِ لِثِقَتِهِمْ بِأَصَالَةِ رَأْيِهَا لِتَنْظُرَ مَا تَأْمُرُهُمْ فَيَمْتَثِلُونَهُ، فَحَذَفَ مَفْعُولَ تَأْمُرِينَ وَمُتَعَلَّقَهُ لِظُهُورِهِمَا مِنَ الْمَقَامِ، وَالتَّقْدِيرُ: مَا تَأْمُرِينَنَا بِهِ، أَيْ إِنْ كَانَ رَأْيُكِ غَيْرَ الْحَرْبِ فَمُرِي بِهِ نطعك.

وَفعل فَانْظُرِي مُعَلَّقٌ عَنِ الْعَمَلِ بِمَا بَعْدَهُ مِنَ الِاسْتِفْهَامِ وَهُوَ مَاذَا تَأْمُرِينَ.

وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَاذَا فِي قَوْلِهِ: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ فِي سُورَة النَّحْل [٢٤] .

[٣٤، ٣٥]

[سُورَة النَّمْل (٢٧) : الْآيَات ٣٤ إِلَى ٣٥]

قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (٣٥)

قالَتْ جَوَابُ مُحَاوَرَةٍ فَلِذَلِكَ فُصِلَ.

أَبْدَتْ لَهُمْ رَأْيَهَا مُفَضِّلَةً جَانِبَ السِّلْمِ عَلَى جَانِبِ الْحَرْبِ، وَحَاذِرَةً مِنَ الدُّخُولِ تَحْتَ سُلْطَةِ سُلَيْمَانَ اخْتِيَارًا لِأَنَّ نِهَايَةَ الْحَرْبِ فِيهَا احْتِمَالُ أَنْ يَنْتَصِرَ سُلَيْمَانُ فَتَصِيرُ مَمْلَكَةُ سَبَأٍ إِلَيْهِ، وَفِي الدُّخُولِ تَحْتَ سُلْطَةِ سُلَيْمَانَ إِلْقَاءٌ لِلْمَمْلَكَةِ فِي تَصَرُّفِهِ، وَفِي كِلَا الْحَالَيْنِ يَحْصُلُ

تَصَرُّفُ مَلِكٍ جَدِيدٍ فِي مَدِينَتِهَا فَعَلِمَتْ بِقِيَاسِ شَوَاهِدِ التَّارِيخِ وَبِخِبْرَةِ طَبَائِعِ الْمُلُوكِ إِذَا تَصَرَّفُوا فِي مَمْلَكَةِ غَيْرِهِمْ أَنْ يَقْلِبُوا نِظَامَهَا إِلَى مَا يُسَايِرُ مَصَالِحَهُمْ وَاطْمِئْنَانَ نُفُوسِهِمْ مِنَ انْقِلَابِ الْأُمَّةِ الْمَغْلُوبَةِ عَلَيْهِمْ فِي فُرَصِ الضَّعْفِ أَوْ لَوَائِحِ الِاشْتِغَالِ بِحَوَادِثَ مُهِمَّةٍ، فَأَوَّلُ مَا يَفْعَلُونَهُ إِقْصَاءُ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْحُكْمِ لِأَنَّ الْخَطَرَ يُتَوَقَّعُ مِنْ جَانِبِهِمْ حَيْثُ زَالَ سُلْطَانُهُمْ بِالسُّلْطَانِ الْجَدِيدِ، ثُمَّ يُبَدِّلُونَ الْقَوَانِينَ وَالنُّظُمَ الَّتِي كَانَتْ تَسِيرُ عَلَيْهَا الدَّوْلَةُ، فَأَمَّا إِذَا أَخَذُوهَا عُنْوَةً فَلَا يَخْلُو الْأَخْذُ مِنْ تَخْرِيبٍ وَسَبْيٍ وَمَغَانِمَ، وَذَلِكَ أَشَدُّ فَسَادًا. وَقَدِ انْدَرَجَ الْحَالَانِ فِي قَوْلِهَا إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً.