[سُورَة فصلت (٤١) : آيَة ٥٢]
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٢)
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ إِلَى قَوْلِهِ:
لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ [فصلت: ٤١، ٤٥] . فَهَذَا انْتِقَالٌ إِلَى الْمُجَادَلَةِ فِي شَأْنِ الْقُرْآنِ رَجَعَ بِهِ إِلَى الْغَرَضِ الْأَصْلِيِّ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ وَهُوَ بَيَانُ حَقِّيَّةِ الْقُرْآنِ وَصِدْقِهِ وَصِدْقِ مَنْ جَاءَ بِهِ.
وَهَذَا اسْتِدْعَاءٌ لِيُعْمِلُوا النَّظَرَ فِي دَلَائِلِ صِدْقِ الْقُرْآنِ مِثْلَ إِعْجَازِهِ وَانْتِسَاقِهِ وَتَأْيِيدِ بَعْضِهِ بَعْضًا وَكَوْنِهِ مُؤَيِّدًا لِلْكُتُبِ قَبْلَهُ، وَكَوْنِ تِلْكَ الْكُتُبِ مُؤَيِّدَةً لَهُ.
وَالْمَعْنَى: مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ إِنْكَارِ صِدْقِ الْقُرْآنِ لَيْسَ صَادِرًا عَنْ نَظَرٍ وَتَمْحِيصٍ يُحَصِّلُ الْيَقِينَ وَإِنَّمَا جَازَفْتُمْ بِهِ قَبْلَ النَّظَرِ فَلَوْ تَأَمَّلْتُمْ لَاحْتَمَلَ أَنْ يُنْتِجَ لَكُمُ التَّأَمُّلُ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ عِنْدِهِ، فَإِذَا فُرِضَ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ فَقَدْ أَقْحَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ فِي شِقَاقٍ قَوِيٍّ.
وَهَذَا مِنَ الْكَلَامِ الْمُنْصِفِ وَاقْتَصَرَ فِيهِ عَلَى ذِكْرِ الْحَالَةِ الْمُنْطَبِقَةِ عَلَى صِفَاتِهِمْ تَعْرِيضًا بِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الطَّرَفُ الرَّاجِحُ فِي هَذَا الْإِجْمَالِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: كَمَا أَنَّكُمْ قَضَيْتُمْ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ فَكَذَلِكَ كَوْنُهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَتَعَالَوْا فَتَأَمَّلُوا فِي الدَّلَائِلِ، فَهُمْ لَمَّا أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَصَدُّوا أَنْفُسَهُمْ وَعَامَّتَهُمْ عَنْ الِاسْتِمَاعِ إِلَيْهِ وَالتَّدَبُّرِ فِيهِ فَقَدْ أَعْمَلُوا شَهَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ وَأَهْمَلُوا الْأَخْذَ بالحيطة لَهُم أَن يَتَدَبَّرُوهُ حَتَّى يَكُونُوا عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ فِي شَأْنه، وهم إِذَا تَدَبَّرُوهُ لَا يَلْبَثُونَ أَنْ يَعْلَمُوا صِدْقَهُ، فَاسْتَدْعَاهُمُ اللَّهُ إِلَى النَّظَرِ بِطَرِيقِ تَجْوِيزِ أَنْ يَكُونَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَإِنَّهُ إِذَا جَازَ ذَلِكَ وَكَانُوا قَدْ كَفَرُوا بِهِ دُونَ تَأَمُّلٍ كَانُوا قَدْ قَضَوْا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالضَّلَالِ الشَّدِيدِ، وَإِذَا كَانُوا كَذَلِكَ فَقَدْ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَاتُ الْوَعِيدِ.
وإِنْ الشَّرْطِيَّةُ شَأْنُهَا أَنْ تَدْخُلَ عَلَى الشَّرْطِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ، فَالْإِتْيَانُ بِهَا إِرْخَاءٌ لِلْعِنَانِ مَعَهُمْ لِاسْتِنْزَالِ طَائِرِ إِنْكَارِهِمْ حَتَّى يُقْبِلُوا عَلَى التَّأَمُّلِ فِي دَلَائِلِ صِدْقِ الْقُرْآنِ. وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ بِهَذَا الْخِطَابِ وَالتَّشْكِيكِ أَوَّلًا دَهْمَاءَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute