وَ (الْكَرِيمِ) بِالْجَرِّ صِفَةُ الْعَرْشِ. وَكَرَمُ الْجِنْسِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَوْفِيًا فَضَائِلَ جِنْسِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ فِي سُورَة النَّمْل [٢٩] .
[١١٧]
[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (٢٣) : آيَة ١١٧]
وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لَا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (١١٧)
لَمَّا كَانَ أَعْظَمُ مَا دَعَا اللَّهُ إِلَيْهِ تَوْحِيدَهُ وَكَانَ أصل ضلال الْمُشْرِكِينَ إِشْرَاكَهُمْ أُعْقِبَ وَصْفُ اللَّهِ بِالْعُلُوِّ الْعَظِيمِ وَالْقُدْرَةِ الْوَاسِعَةِ بِبَيَانِ أَنَّ الْحِسَابَ الْوَاقِعَ بَعْدَ الْبَعْثِ يَنَالُ الَّذِينَ دَعَوْا مَعَ اللَّهِ آلِهَةً دَعْوَى لَا عُذْرَ لَهُمْ فِيهَا لِأَنَّهَا عَرِيَّةٌ عَنِ الْبُرْهَانِ أَيِ الدَّلِيلِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يُثْبِتُوا لِلَّهِ الْمُلْكَ الْكَامِلَ إِذْ أَشْرَكُوا مَعَهُ آلِهَةً وَلَمْ يُثْبِتُوا مَا يَقْتَضِي لَهُ عَظِيمَ التَّصَرُّفِ إِذْ أَشْرَكُوا مَعَهُ تَصَرُّفَ آلِهَةٍ. فَقَوْلُهُ: لَا بُرْهانَ لَهُ بِهِ حَالٌ مِنْ مَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ، وَهِيَ حَالٌ لَازِمَةٌ لِأَنَّ دَعْوَى الْإِلَهِ مَعَ اللَّهِ لَا تَكُونُ إِلَّا عَرِيَّةً عَنِ الْبُرْهَانِ وَنَظِيرُ هَذَا الْحَالِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ [الْقَصَص: ٥٠] .
وَالْقَصْرُ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ قَصْرٌ حَقِيقِيٌّ. وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْحِسَابِ وَأَنَّهُ لله وَحده مُبَالغَة فِي تَخْطِئَتِهِمْ وَتَهْدِيدِهِمْ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَصْرُ إِضَافِيًّا تطمينا للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ اللَّهَ لَا يُؤَاخِذُهُ بِاسْتِمْرَارِهِمْ عَلَى
الْكُفْرِ كَقَوْلِهِ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ [الشورى: ٤٨] وَقَوْلِهِ: لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشُّعَرَاء: ٣] وَهَذَا أسعد بقوله بعده وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ [الْمُؤْمِنُونَ: ١١٨] .
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَذْيِيلُهُ بِجُمْلَةِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ. وَفِيهِ ضَرْبٌ مِنْ رَدِّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ إِذِ افْتُتِحَتِ السُّورَةُ بِ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: ١] وَخُتِمَتْ بِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ وَهُوَ نَفْيُ الْفَلَاحِ عَنِ الْكَافِرِينَ ضد الْمُؤمنِينَ.
[١١٨]
[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (٢٣) : آيَة ١١٨]
وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute