للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَدَنِيَّةٌ لِأَنَّ الزَّكَاةَ فُرِضَتْ فِي الْمَدِينَةِ. فَالزَّكَاةُ الْمَذْكُورَةُ فِيهَا هِيَ الصَّدَقَةُ لَا زَكَاةَ النُّصُبِ الْمُعَيَّنَةِ فِي

الْأَمْوَالِ. وَإِطْلَاقُ الزَّكَاةِ عَلَى الصَّدَقَةِ مَشْهُورٌ فِي الْقُرْآنِ، قَالَ تَعَالَى: وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ [فصلت: ٦، ٧] وَهِيَ مِنْ سُورَةٍ مَكِّيَّةٍ بِالِاتِّفَاقِ، وَقَالَ: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ [مَرْيَم: ٥٤، ٥٥] وَلَمْ تَكُنْ زَكَاةُ النُّصُبِ مَشْرُوعَةً فِي زَمَنِ إِسْمَاعِيلَ.

وَهِيَ السُّورَةُ السَّادِسَةُ وَالسَّبْعُونَ فِي عِدَادِ نُزُولِ سُوَرِ الْقُرْآنِ نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الطُّورِ وَقَبْلَ سُورَةِ تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ.

وَآيَاتُهَا مِائَةٌ وَسَبْعَ عَشْرَةَ فِي عَدِّ الْجُمْهُورِ. وَعَدَّهَا أَهْلُ الْكُوفَةِ مِائَةً وَثَمَانِ عَشْرَةَ، فَالْجُمْهُورُ عَدُّوا أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ [الْمُؤْمِنُونَ:

١٠، ١١] آيَةً، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ عَدُّوا أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ آيَةً وَمَا بَعْدَهَا آيَةً أُخْرَى، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ أَبِي بَكْرِ ابْن الْعَرَبِيِّ فِي «الْعَارِضَةِ» فِي الْحَدِيثِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ عَقِبَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ.

أغراض السُّورَة

هَذِهِ السُّورَةُ تَدُورُ آيُهَا حَوْلَ مِحْوَرِ تَحْقِيقِ الْوَحْدَانِيَّةِ وَإِبْطَالِ الشِّرْكِ وَنَقْضِ قَوَاعِدِهِ، وَالتَّنْوِيهِ بِالْإِيمَانِ وَشَرَائِعِهِ.

فَكَانَ افْتِتَاحُهَا بِالْبِشَارَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالْفَلَاحِ الْعَظِيمِ عَلَى مَا تَحَلَّوْا بِهِ مِنْ أُصُولِ الْفَضَائِل الروحية والعلمية الَّتِي بِهَا تَزْكِيَةُ النَّفْسِ وَاسْتِقَامَةُ السُّلُوكِ.

وَأَعْقَبَ ذَلِكَ بِوَصْفِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ أَصْلِهِ وَنَسْلِهِ الدَّالِّ عَلَى تَفَرُّدِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِلَهِيَّةِ لِتَفَرُّدِهِ بِخَلْقِ الْإِنْسَانِ وَنَشْأَتِهِ لِيَبْتَدِئَ النَّاظِرُ بِالِاعْتِبَارِ فِي تَكْوِينِ ذَاتِهِ ثُمَّ بِعَدَمِهِ بَعْدَ الْحَيَاةِ.

وَدَلَالَةِ ذَلِكَ الْخَلْقِ عَلَى إِثْبَاتِ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَمَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقِ الْخَلْقَ سُدًى وَلَعِبًا.

وَانْتَقَلَ إِلَى الِاعْتِبَارِ بِخَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَدَلَالَتِهِ عَلَى حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى.