يَهْلَكَ فِي مُدَّةِ تَأْخِيرِ حَقِّهِ فَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ، أَوْ لَعَلَّ الشَّيْءَ الْمَحْكُومَ بِهِ يَتْلَفُ بِعَارِضٍ أَوْ قَصْدٍ فَلَا يَصِلُ إِلَيْهِ صَاحِبُهُ بَعْدُ. وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ حَقَّ اللَّهِ كَانَ تَأْخِيرُ الْقَضَاءِ فِيهِ إِقْرَارًا لِلْمُنْكِرِ. فِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ أَبَا مُوسَى عَلَى الْيَمَنِ ثُمَّ أَتْبَعَهُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ فَلَمَّا قَدِمَ مُعَاذٌ عَلَى أَبِي مُوسَى أَلْقَى إِلَيْهِ أَبُو مُوسَى وِسَادَةً وَقَالَ لَهُ: انْزِلْ، وَإِذَا رَجُلٌ مُوَثَّقٌ عِنْدَ أَبِي مُوسَى، قَالَ مُعَاذٌ: مَا هَذَا؟ قَالَ: كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ. قَالَ مُعَاذٌ: لَا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ، قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَأَمَرَ بِهِ أَبُو مُوسَى فَقتل» .
[١٨]
[سُورَة غَافِر (٤٠) : آيَة ١٨]
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (١٨)
الْأَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَأَنْذِرْهُمْ وَمَا بَعْدَهُ مُعْتَرِضًا بَيْنَ جُمْلَةِ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ [غَافِر: ١٧] وَجُمْلَةِ يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ [غَافِر: ١٩] عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْآتِيَيْنِ فِي مَوْقِعِ جُمْلَةِ يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ، فَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ، وَالْمُنَاسَبَةُ أَنَّ ذِكْرَ الْحِسَابِ بِهِ يَقْتَضِي
التَّذْكِيرَ بِالِاسْتِعْدَادِ لِيَوْمِ الْحِسَابِ وَهُوَ يَوْمُ الْآزِفَةِ.
وَيَوْمُ الْآزِفَةِ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَأَصْلُ الْآزِفَةِ اسْمُ فَاعِلٍ مُؤَنَّثٌ مُشْتَقٌّ مِنْ فِعْلِ أَزِفَ الْأَمْرُ، إِذَا قَرُبَ، فَالْآزِفَةُ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: السَّاعَةُ الْآزِفَةُ، أَوِ الْقِيَامَةُ الْآزِفَةُ، مِثْلُ الصَّاخَّةِ، فَتَكُونُ إِضَافَةُ يَوْمَ إِلَى الْآزِفَةِ، حَقِيقِيَّةٌ. وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي تَعْدِيَةِ الْإِنْذَارِ إِلَى (الْيَوْمِ) فِي قَوْله: لتنذر يَوْمَ التَّلاقِ [غَافِر: ١٥] .
وإِذِ بَدَلٌ مِنْ يَوْمَ فَهُوَ اسْمُ زَمَانٍ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ، مُضَافٌ إِلَى جُمْلَةِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ وأل فِي الْقُلُوبُ والْحَناجِرِ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ.
وَأَصْلُهُ: إِذْ قُلُوبُهُمْ لَدَى حَنَاجِرِهِمْ، فَبِوَاسِطَةِ (أَلْ) عُوِّضَ تَعْرِيفُ الْإِضَافَةِ بِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ وَهُوَ رَأْيُ نُحَاةِ الْكُوفَةِ، وَالْبَصْرِيُّونَ يُقَدِّرُونَ: إِذِ الْقُلُوبُ مِنْهُمْ وَالْحَنَاجِرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute