[١١٢- ١١٣]
[سُورَة الصافات (٣٧) : الْآيَات ١١٢ الى ١١٣]
وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٢) وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (١١٣)
هَذِهِ بِشَارَةٌ أُخْرَى لِإِبْرَاهِيمَ وَمَكْرَمَةٌ لَهُ، وَهِيَ غَيْرُ الْبِشَارَةِ بِالْغُلَامِ الْحَلِيمِ، فَإِسْحَاقُ غَيْرُ الْغُلَامِ الْحَلِيمِ. وَهَذِهِ الْبِشَارَةُ هِيَ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَبَشَّرْناها
بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ
[هود: ٧١] . وَتَسْمِيَةُ الْمُبَشَّرِ بِهِ إِسْحَاقَ تَحْتَمِلُ أَنَّ اللَّهَ عَيَّنَ لَهُ اسْمًا يُسَمِّيهِ بِهِ وَهُوَ مُقْتَضَى مَا فِي الْإِصْحَاحِ السَّابِعِ عشر من «سفر التَّكْوِينِ» «سَارَةُ امْرَأَتُكَ تَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ إِسْحَاقَ» .
وَتَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ: بَشَّرْنَاهُ بِوَلَدٍ الَّذِي سُمِّيَ إِسْحَاقُ، وَهُوَ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْغُلَامَ الْمُبَشَّرَ بِهِ فِي الْآيَةِ قَبْلَ هَذِهِ لَيْسَ هُوَ الَّذِي اسْمُهُ إِسْحَاقُ فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ الَّذِي سُمِّيَ إِسْمَاعِيلَ. وَمَعْنَى الْبِشَارَةِ بِهِ الْبِشَارَةُ بِوِلَادَتِهِ لَهُ لِأَنَّ الْبِشَارَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِالذَّوَاتِ بَلْ تَتَعَلَّقُ بِالْمَعَانِي.
وَانْتَصَبَ نَبِيئًا عَلَى الْحَالِ مِنْ إِسْحَاقَ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حِكَايَةً لِلْبِشَارَةِ فَيَكُونُ الْحَالُ حَالًا مُقَدَّرًا لِأَنَّ اتِّصَافَ إِسْحَاقَ بِالنُّبُوءَةِ بَعْدَ زَمَنِ الْبِشَارَةِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ بَلْ هُوَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا، فَالْمَعْنَى: وَبَشَّرْنَاهُ بِوِلَادَةِ وَلَدٍ اسْمُهُ إِسْحَاقُ مُقَدَّرًا حَالُهُ أَنَّهُ نَبِيءٌ، وَعَدَمُ وُجُودِ صَاحِبِ الْحَالِ فِي وَقْتِ الْوَصْفِ بِالْحَالِ لَا يُنَافِي اتصافه بِالْحَالِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ لِأَنَّ وُجُودَ صَاحِبِ الْحَالِ غَيْرُ شَرْطٍ فِي وَصْفِهِ بِالْحَالِ بَلِ الشَّرْطُ مُقَارَنَةُ تَعَلُّقِ الْفِعْلِ بِهِ مَعَ اعْتِبَارِ مَعْنَى الْحَالِ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ مِنَ اسْتِعْمَالِ اسْمِ الْفَاعِلِ فِي زَمَانِ الِاسْتِقْبَالِ بِالْقَرِينَةِ وَلَا تَكُونُ الْحَالُ الْمُقَدَّرَةُ إِلَّا كَذَلِكَ، وَطُولُ زَمَانِ الِاسْتِقْبَالِ لَا يَتَحَدَّدُ، وَمِنْهُ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَأْتِينا فَرْداً فِي سُورَةِ مَرْيَمَ [٨٠] .
وَاعْلَمْ أَنَّ مَعْنَى الْحَالِ الْمُقَدَّرَةِ أَنَّهَا مُقَدَّرٌ حُصُولُهَا غَيْرَ حَاصِلَةٍ الْآنَ وَالْمُقَدَّرُ هُوَ النَّاطِقُ بِهَا، وَهِيَ وَصْفٌ لِصَاحِبِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَقَيْدٌ لِعَامِلِهَا كَيْفَمَا كَانَ، فَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute