تَحْتَفِلُ بِمَا أَطَالَ بِهِ فِي «الْكَشَّافِ» وَلَا بِمُخَالَفَةِ الْبَيْضَاوِيِّ لَهُ وَلَا بِمَا تَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْمُبَاحَثَاتِ.
وَإِنْ كَانَ وَضْعًا مُعْتَرَضًا فِي أَثْنَاءِ الْقِصَّةِ كَانَ تَنْوِيهًا بِإِسْحَاقَ وَكَانَ حَالًا حَاصِلَةً.
وَقَوْلُهُ: مِنَ الصَّالِحِينَ حَالٌ ثَانِيَةٌ، وَذَكَرَهَا لِلتَّنْوِيهِ بِشَأْنِ الصَّلَاحِ فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ مَعْدُودُونَ فِي زُمْرَةِ أَهْلِهِ وَإِلَّا فَإِنَّ كُلَّ نَبِيءٍ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا، وَالنُّبُوءَةُ أَعْظَمُ أَحْوَالِ الصَّلَاحِ لِمَا مَعَهَا مِنَ الْعَظَمَةِ.
وَبَارَكَ جَعَلَهُ ذَا بَرَكَةِ وَالْبَرَكَةُ زِيَادَةُ الْخَيْرِ فِي مُخْتَلَفِ وُجُوهِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [٩٦] .
وَقَوْلِهِ: وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ فِي سُورَةِ هُودٍ [٤٨] .
وعَلى لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ، أَيْ تَمَكُّنِ الْبَرَكَةِ مِنَ الْإِحَاطَةِ بِهِمَا.
وَلَمَّا ذَكَرَ مَا أَعْطَاهُمَا نَقَلَ الْكَلَامَ إِلَى ذُرِّيَّتِهِمَا فَقَالَ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ، أَيْ عَامِلٌ بِالْعَمَلِ الْحَسَنِ، وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ أَيْ مُشْرِكٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ ذَرِّيَّتَهُمَا لَيْسَ جَمِيعُهَا كَحَالِهِمَا بَلْ هُمْ مُخْتَلِفُونَ فَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ أَنْبِيَاءٌ وَصَالِحُونَ وَمُؤْمِنُونَ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْحَاقَ مِثْلُهُمْ، وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ مَنْ حَادُوا عَنْ سُنَنِ أَبِيهِمْ مِثْلَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْحَاقَ كَذَلِكَ مِثْلَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْيَهُودِ بِالْمَسِيحِ وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لَا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٢٤] .
وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْخَبِيثَ وَالطَّيِّبَ لَا يَجْرِي أَمْرُهُمَا عَلَى الْعِرْقِ وَالْعُنْصُرِ فَقَدْ يَلِدُ الْبَرُّ الْفَاجِرَ وَالْفَاجِرُ الْبَرَّ، وَعَلَى أَنَّ فَسَادَ الْأَعْقَابِ لَا يُعَدُّ غَضَاضَةً عَلَى الْآبَاءِ، وَأَنَّ مَنَاطَ الْفَضْلِ هُوَ خِصَالُ الذَّاتِ وَمَا اكْتَسَبَ الْمَرْءُ مِنَ الصَّالِحَاتِ، وَأَمَّا كَرَامَةُ الْآبَاءِ فَتَكْمِلَةٌ لِلْكَمَالِ وباعث على الاتّسام بِفَضَائِلَ الْخِلَالِ، فَكَانَ فِي هَذِهِ التَّكْمِلَةِ إِبْطَالُ غُرُورِ الْمُشْرِكِينَ بِأَنَّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَنَّهَا مَزِيَّةٌ لَكِنْ لَا يُعَادِلُهَا الدُّخُولُ فِي الْإِسْلَامِ وَأَنَّهُمُ الْأَوْلَى بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. قَالَ أَبُو طَالِبٍ فِي خِطْبَةِ خَدِيجَة للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنَا مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَزَرْعِ إِسْمَاعِيلَ وَجَعَلَنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute