للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً [النُّور: ٥٥] . وَقَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ شَيْبَانَ التَّمِيمِيُّ:

وَنُقَاتِلُ الْأَعْدَاءَ عَنْ أَبْنَائِنَا ... وَعَلَى بَصَائِرِنَا وَإِنْ لَمْ نُبْصِرْ

وَالْأَوْفَقُ بِبَلَاغَةِ الْقُرْآنِ أَنْ يَكُونَ الْمَحْمِلَانِ مُرَادَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَا فِي الْمُقَدِّمَةِ التَّاسِعَةِ مِنْ مُقَدِّمَاتِ هَذَا التَّفْسِيرِ.

وَالْقَصْرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ (إِنَّمَا) هُوَ قَصْرُ الْجِهَادِ عَلَى الْكَوْنِ لِنَفْسِ الْمُجَاهِدِ، أَيِ الصَّالِحِ نَفْسِهِ إِذِ الْعِلَّةُ لَا تَتَعَلَّقُ بِالنَّفْسِ بَلْ بِأَحْوَالِهَا، أَيْ جِهَادٍ لِفَائِدَةِ نَفْسِهِ لَا لِنَفْعٍ يَنْجَرُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَالْقَصْرُ الْحَاصِلُ بِأَدَاةٍ (إِنَّمَا) قَصْرٌ ادِّعَائِيٌّ لِلتَّنْبِيهِ إِلَى مَا يَغْفُلُونَ عَنْهُ- حِينَ يُجَاهِدُونَ الْجِهَادَ بِمَعْنَيَيْهِ- مِنَ الْفَوَائِدِ الْمُنْجَرَّةِ إِلَى أَنْفُسِ الْمُجَاهِدِينَ وَلِذَلِكَ عُقِّبَ الرَّدُّ الْمُسْتَفَادُ مِنَ الْقَصْرِ بِتَعْلِيلِهِ بِأَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ فَلَا يَكُونُ شَيْءٌ من الْجِهَاد نَافِعًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلَكِنَّ نَفْعَهُ لِلْأُمَّةِ.

فَمَوْقِعُ حَرْفِ التَّأْكِيدِ هُنَا هُوَ مَوْقِعُ فَاءِ التَّفْرِيعِ الَّذِي نَبَّهَ عَلَيْهِ صَاحِبُ «دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ» وَتَقَدَّمَ غير مرّة.

[٧]

[سُورَة العنكبوت (٢٩) : آيَة ٧]

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٧)

يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا [العنكبوت: ٤] لِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْجُمْلَةُ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهَا مِنَ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ، فَعُطِفَ عَلَيْهَا مَا هُوَ وَعْدٌ وَبِشَارَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مَعَ مَا أَفْضَى إِلَى ذِكْرِ هَذَا الْوَعْدِ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلَهُ وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ [العنكبوت: ٦] فَإِنَّ مَضْمُونَ جُمْلَةِ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ الْآيَةَ يُفِيدُ بَيَانَ كَوْنِ جِهَادِ مَنْ جَاهَدَ لِنَفْسِهِ.

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ [العنكبوت: ٦ وَسُلِكَ بِهَا طَرِيقُ الْعَطْفِ بِاعْتِبَارِ مَا أَوْمَأَ إِلَيْهِ الْمَوْصُولُ وَصِلَتُهُ مِنْ أَنَّ سَبَبَ هَذَا الْجَزَاءِ الْحَسَنِ