[سُورَة آل عمرَان (٣) : آيَة ٧٨]
وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٨)
أَيْ مِنَ الْيَهُودِ طَائِفَةٌ تُخَيِّلُ لِلْمُسْلِمِينَ أَشْيَاءَ أَنَّهَا مِمَّا جَاءَ فِي التَّوْرَاةِ، وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ، إِمَّا فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ بَعْضِ أَفْعَالِهِمُ الذَّمِيمَةِ، كَقَوْلِهِمْ: لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ، وَإِمَّا لِلتَّخْلِيطِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يُشَكِّكُوهُمْ فِيمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرَهُ الْقُرْآنُ، أَوْ لِإِدْخَالِ
الشَّكِّ عَلَيْهِمْ فِي بَعْضِ مَا نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ، فَاللَّيُّ مُجْمَلٌ، وَلَكِنَّهُ مُبَيَّنٌ بِقَوْلِهِ: لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَقَوْلِهِ: وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
وَاللَّيُّ فِي الْأَصْلِ: الْإِرَاغَةُ أَيْ إِدَارَةُ الْجِسْمِ غَيْرِ الْمُتَصَلِّبِ إِلَى غَيْرِ الصَّوْبِ الَّذِي هُوَ مُمْتَدٌّ إِلَيْهِ: فَمِنْ ذَلِكَ لَيُّ الْحَبْلِ، وَلَيُّ الْعِنَانِ لِلْفَرَسِ لِإِدَارَتِهِ إِلَى جِهَةٍ غَيْرِ صَوْبِ سَيْرِهِ، وَمِنْهُ لَيُّ الْعُنُقِ، وَلَيُّ الرَّأْسِ بِمَعْنَى الِالْتِفَاتِ الشَّزْرِ والإعراض قَالَ تَعَالَى: لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ [المُنَافِقُونَ: ٥] .
وَاللَّيُّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً بِمَعْنَى تَحْرِيفِ اللِّسَانِ عَنْ طَرِيقِ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْهِجَاءِ إِلَى طَرِيقِ حَرْفٍ آخَرَ يُقَارِبُهُ لِتُعْطِيَ الْكَلِمَةُ فِي أُذُنِ السَّامِعِ جَرْسَ كَلِمَةٍ أُخْرَى، وَهَذَا مِثْلُ مَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِمْ «رَاعِنَا» وَفِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي السَّلَامِ عَلَى النبيء: «السام عَلَيْكُم» أَيِ الْمَوْتُ أَوِ «السِّلَامُ- بِكَسْرِ السِّينِ- عَلَيْكَ» وَهَذَا اللَّيُّ يُشَابِهُ الْإِشْمَامَ وَالِاخْتِلَاسَ وَمِنْهُ إِمَالَةُ الْأَلِفِ إِلَى الْيَاءِ، وَقَدْ تَتَغَيَّرُ الْكَلِمَاتُ بِالتَّرْقِيقِ وَالتَّفْخِيمِ وَبِاخْتِلَافِ صِفَاتِ الْحُرُوفِ. وَالظَّاهِرُ أنّ الْكتاب هُوَ التَّوْرَاةُ فَلَعَلَّهُمْ كَانُوا إِذا قرؤوا بَعْضَ التَّوْرَاةِ بِالْعَرَبِيَّةِ نَطَقُوا بِحُرُوفٍ مِنْ كَلِمَاتِهَا بَيْنَ بَيْنَ لِيُوهِمُوا الْمُسْلِمِينَ مَعْنًى غَيْرَ الْمَعْنَى الْمُرَادِ، وَقَدْ كَانَتْ لَهُمْ مَقْدِرَةٌ وَمِرَاسٌ فِي هَذَا.
وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْمُبَرِّدُ فِي الْكَامِلِ أَنَّ بَعْضَ الْأَزَارِقَةِ أَعَادَ بَيْتَ عُمَرَ ابْن أَبِي رَبِيعَةَ فِي مَجْلِسِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
رَأَتْ رَجُلًا أَمَّا إِذَا الشَّمْسُ عَارَضَتْ ... فَيَضْحَى وَأَمَّا بِالْعَشِيِّ فَيَخْصَرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute