للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الْأَنْبِيَاء (٢١) : آيَة ٢١]

أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (٢١)

(أَمْ) هَذِهِ مُنْقَطِعَةٌ عَاطِفَةٌ الْجُمْلَةَ عَلَى الْجُمْلَةِ عَطْفَ إِضْرَابٍ انْتِقَالِيٍّ هُوَ انْتِقَالٌ مِنْ إِثْبَاتِ صِدْقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُجِّيَّةِ دَلَالَةِ الْقُرْآنِ إِلَى إِبْطَالِ الْإِشْرَاكِ، انْتِقَالًا مِنْ بَقِيَّةِ الْغَرَضِ السَّابِقِ الَّذِي تَهَيَّأَ السَّامِعُ لِلِانْتِقَالِ مِنْهُ بِمُقْتَضَى التَّخَلُّصِ، الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ [الْأَنْبِيَاء: ١٩] كَمَا تَقَدَّمَ، إِلَى التَّمَحُّضِ لِغَرَضِ إِبْطَالِ الْإِشْرَاكِ وَإِبْطَالِ تَعَدُّدِ الْآلِهَةِ. وَهَذَا الِانْتِقَالُ وَقَعَ اعْتِرَاضًا بَيْنَ جُمْلَةِ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لَا يَفْتُرُونَ [الْأَنْبِيَاء: ٢٠] وَجُمْلَة لَا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ [الْأَنْبِيَاء: ٢٣] . وَلَيْسَ إِضْرَابُ الِانْتِقَالِ بِمُقْتَضٍ عَدَمَ الرُّجُوعِ إِلَى الْغَرَضِ الْمُنْتَقَلِ إِلَيْهِ.

وَ (أَمْ) تُؤْذِنُ بِأَنَّ الْكَلَامَ بَعْدَهَا مَسُوقٌ مَسَاقَ الِاسْتِفْهَامِ وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ إنكاري، أنكر عَلَيْهِ اتِّخَاذَهُمْ آلِهَةً.

وَضَمِيرُ اتَّخَذُوا عَائِدٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ الْمُتَبَادَرِينَ مِنَ الْمَقَامِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الضَّمَائِرِ.

وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ. وَيَجُوزُ جَعْلُهُ الْتِفَاتًا عَنْ ضَمِيرِ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [الْأَنْبِيَاء: ١٨] ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَنَاسِقًا مَعَ ضَمَائِرِ بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ [الْأَنْبِيَاء: ٥] وَمَا بَعْدَهُ.

وَوَصْفُ الْآلِهَةِ بِأَنَّهَا مِنَ الْأَرْضِ تَهَكُّمٌ بِالْمُشْرِكِينَ، وَإِظْهَارٌ لِأَفَنِ رَأْيِهِمْ، أَيْ جَعَلُوا لِأَنْفُسِهِمْ آلِهَةً مِنْ عَالَمِ الْأَرْضِ أَوْ مَأْخُوذَةً مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ مِنْ حِجَارَةٍ أَوْ خَشَبٍ تَعْرِيضًا بِأَنَّ مَا كَانَ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ مَعْبُودًا، كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ فِي [الصَّافَّاتِ: ٩٥] .

وَذِكْرُ الْأَرْضِ هُنَا مُقَابَلَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ عِنْدَهُ [الْأَنْبِيَاء: ١٩] لِأَنَّ الْمُرَادَ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَجُمْلَةُ هُمْ يُنْشِرُونَ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِ آلِهَةً.