للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَعَاصِمٌ، وَيَعْقُوبُ وَيُثْبِتُ- بِسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ وَتَخْفِيف الْمُوَحدَة-.

[٤٠]

[سُورَة الرَّعْد (١٣) : آيَة ٤٠]

وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ (٤٠)

عُطِفَ على جملَة يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ [الرَّعْد: ٣٩] بِاعْتِبَارِ مَا تُفِيدُهُ مِنْ إِبْهَامِ مُرَادِ اللَّهِ فِي آجَالِ الْوَعِيدِ وَمَوَاقِيتِ إِنْزَالِ الْآيَاتِ، فَبَيَّنَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مَأْمُورًا بِالِاشْتِغَالِ بِذَلِكَ وَلَا بِتَرَقُّبِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مُبَلِّغٌ عَنِ اللَّهِ لِعِبَادِهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا يُحَاسِبُ بِهِ عِبَادَهُ سَوَاءٌ شَهِدَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ أَمْ لَمْ يَشْهَدْهُ.

وَجَعَلَ التَّوَفِّيَ كِنَايَةً عَنْ عَدَمِ رُؤْيَةِ حُلُولِ الْوَعِيدِ بِقَرِينَةِ مُقَابَلَتِهِ بُقُولِهِ: نُرِيَنَّكَ.

وَالْمَعْنَى: مَا عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ سَوَاءً رَأَيْتَ عَذَابَهُمْ أَمْ لَمْ تَرَهُ.

وَفِي الْإِتْيَانِ بِكَلِمَةِ بَعْضَ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ يَرَى الْبَعْضَ. وَفِي هَذَا إِنْذَارٌ لَهُمْ بِأَنَّ الْوَعِيدَ نَازِلٌ بِهِمْ وَلَوْ تَأَخَّرَ وَأَنَّ هَذَا الدِّينَ يَسْتَمِرُّ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الْوَعِيدُ الَّذِي أَمَرَ بِإِبْلَاغِهِ وَاقِعًا وَلَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَبِالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ شَرْعُهُ الَّذِي لِأَجْلِهِ جَاءَ وَعِيدُ الْكَافِرِينَ بِهِ شَرْعًا مُسْتَمِرًّا بَعْدَهُ، ضَرُورَةَ أَنَّ الْوَسِيلَةَ لَا تَكُونُ مِنَ الْأَهَمِّيَّةِ بِأَشَدَّ مِنَ الْمَقْصِدِ الْمَقْصُودَةِ لِأَجْلِهِ.

وَتَأْكِيدُ الشَّرْطِ بِنُونِ التَّوْكِيدِ وَمَا الْمَزِيدَةِ بَعْدَ إِنْ الشَّرْطِيَّةِ مُرَادٌ مِنْهُ تَأْكِيدُ الرَّبْطِ

بَيْنَ هَذَا الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ وَهُوَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ. عَلَى أَنَّ نُونَ التَّوْكِيدِ لَا يَقْتَرِنُ بِهَا فِعْلُ الشَّرْطِ إِلَّا إِذَا زِيدَتْ مَا بَعْدَ إِنْ الشَّرْطِيَّةِ فَتَكُونُ إِرَادَةُ التَّأْكِيدِ مُقْتَضِيَةً لِاجْتِلَابِ مُؤَكِّدَيْنِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا لِغَرَضِ تَأْكِيدٍ قَوِيٍّ.