الْمُعَادَةُ عَيْنَ الْأُولَى بِأَنْ يُجْعَلَ التَّعْرِيفُ تَعْرِيفَ الْعَهْدِ، أَيْ وَعِنْدَهُ أُمُّ ذَلِكَ الْكِتَابِ، وَهُوَ كِتَابُ الْأَجَلِ.
فَكَلِمَةُ أُمُّ مُسْتَعْمَلَةٌ مَجَازًا فِيمَا يُشْبِهُ الْأُمَّ فِي كَوْنِهَا أَصْلًا لِمَا تُضَافُ إِلَيْهِ أُمُّ لِأَنَّ الْأُمَّ يَتَوَلَّدُ مِنْهَا الْمَوْلُودُ فَكَثُرَ إِطْلَاقُ أُمِّ الشَّيْءِ عَلَى أَصْلِهِ، فَالْأُمُّ هَنَا مُرَادٌ بِهِ مَا هُوَ أَصْلٌ لِلْمَحْوِ وَالْإِثْبَاتِ اللَّذَيْنِ هُمَا مِنْ مَظَاهِرَ قَوْلِهِ: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ، أَيْ لِمَا مَحْوُ وَإِثْبَاتُ الْمَشِيئَاتِ مَظَاهِرُ لَهُ وَصَادِرَةٌ عَنْهُ، فَأُمُّ الْكِتَابِ هُوَ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا سَيُرِيدُ مَحْوَهُ وَمَا سَيُرِيدُ إِثْبَاتَهُ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالْعِنْدِيَّةُ عِنْدِيَّةُ الِاسْتِئْثَارِ بِالْعِلْمِ وَمَا يَتَصَرَّفُ عَنْهُ، أَيْ وَفِي مِلْكِهِ وَعِلْمِهِ أُمُّ الْكِتَابِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا أَحَدٌ. وَلَكِنَّ النَّاسَ يَرَوْنَ مَظَاهِرَهَا دُونَ اطِّلَاعٍ عَلَى مَدَى ثَبَاتِ تِلْكَ الْمَظَاهِرِ وَزَوَالِهَا، أَيْ أَنَّ اللَّهَ الْمُتَصَرِّفُ بِتَعْيِينِ الْآجَالِ وَالْمَوَاقِيتِ فَجَعَلَ لِكُلِّ أَجَلٍ حَدًّا مُعِينًا، فَيَكُونُ أَصْلُ الْكِتَابِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ بِمَعْنَى كُلِّهِ وَقَاعِدَتِهِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّعْرِيفُ فِي الْكِتابِ الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهِ أُمُّ أَصْلُ مَا يُكْتَبُ، أَيْ يُقَدَّرُ فِي عِلْمِ اللَّهِ مِنَ الْحَوَادِثِ فَهُوَ الَّذِي لَا يُغَيَّرُ، أَيْ يَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ فِي الْأَخْبَارِ مِنْ وَعْدٍ وَوَعِيدٍ، وَفِي الْآثَارِ مِنْ ثَوَابٍ وَعِقَابٍ، وَعِنْدَهُ ثَابِتُ التَّقَادِيرِ كُلِّهَا غَيْرِ مُتَغَيِّرَةٍ.
وَالْعِنْدِيَّةُ عَلَى هَذَا عِنْدِيَّةُ الِاخْتِصَاصِ، أَيِ الْعِلْمُ، فَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ فِيمَا يُبَلِّغُ إِلَى النَّاسِ وَهُوَ يَعْلَمُ مَا سَتَكُونُ عَلَيْهِ الْأَشْيَاءُ وَمَا تَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ، فَاللَّهُ يَأْمُرُ النَّاسَ بِالْإِيمَانِ وَهُوَ يَعْلَمُ مَنْ سَيُؤْمِنُ مِنْهُمْ وَمَنْ لَا يُؤْمِنُ فَلَا يَفْجَؤُهُ حَادِثٌ. وَيَشْمَلُ ذَلِكَ نَسْخَ الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ فَهُوَ يُشَرِّعُهَا لِمَصَالِحَ ثُمَّ يَنْسَخُهَا لِزَوَالِ أَسْبَابِ شَرْعِهَا وَهُوَ فِي حَالِ شَرْعِهَا يعلم أَنَّهَا آئلة إِلَى أَنْ تُنْسَخَ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَيُثْبِتُ- بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ- مِنْ ثَبَّتَ الْمُضَاعَفِ. وَقَرَأَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute