للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَا فَخَرَجَ ابْنٌ لَهُ فَقُلْتُ لَهُ: أَيْنَ أَبُوكَ؟

فَقَالَ سَمِعَ صَوْتَكَ فَدَخَلَ أَرِيكَةَ أُمِّي. فَقُلْتُ: اخْرُجْ إِلَيَّ، فَخَرَجَ. فَقُلْتُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنِ اخْتَبَأْتَ مِنِّي؟ قَالَ: خَشِيتُ وَاللَّهِ أَنْ أُحَدِّثَكَ فَأَكْذِبَكَ وَأَنْتَ صَاحِبُ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَكُنْتُ وَاللَّهِ مُعْسِرًا. قَالَ: فَأَتَى بِصَحِيفَتِهِ فَمَحَاهَا بِيَدِهِ، قَالَ: إِنْ وَجَدْتَ قَضَاءً فَاقْضِ وَإِلَّا فَأَنْتَ فِي حلّ.

[٤١]

[سُورَة الشورى (٤٢) : آيَة ٤١]

وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١)

يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ [الشورى: ٤٠] فَيَكُونَ عُذْرًا لِلَّذِينِ لَمْ يَعْفُوا، وَيَجُوزُ أَنَّهَا عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ هُمْ يَنْتَصِرُونَ [الشورى: ٣٩] وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ اعْتِرَاضٌ كَمَا عَلِمْتَ، فَالْجُمْلَةُ: إِمَّا مُرْتَبِطَةٌ بِغَرَضِ انْتِصَارِ الْمُسْلِمِ عَلَى ظَالِمِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَكْمِلَةٌ لِجُمْلَةِ فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى: ٤٠] ، وَإِمَّا مُرْتَبِطَةٌ بِغَرَضِ انْتِصَارِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ بَغْيِ الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ الِانْتِصَارُ بِالدِّفَاعِ سَوَاءٌ كَانَ دِفَاعَ جَمَاعَاتٍ وَهُوَ الْحَرْبُ فَيَكُونَ هَذَا تَمْهِيدًا لِلْإِذْنِ بِالْقِتَالِ الَّذِي شُرِّعَ مِنْ بَعْدُ، أَمْ دِفَاعَ الْآحَادِ إِنْ تَمَكَّنُوا مِنْهُ فَقَدْ صَارَ الْمُسْلِمُونَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ ذَوِي قُوَّةٍ يَسْتَطِيعُونَ بهَا الدّفع عَنْ أَنْفُسِهِمْ آحَادًا كَمَا قِيلَ فِي عِزِّ الْإِسْلَامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.

وَاللَّامُ فِي وَلَمَنِ انْتَصَرَ مُوطِئَةٌ لِلْقَسَمِ، وَ (مَنْ) شَرْطِيَّةٌ، أَوِ اللَّامُ لَامُ ابْتِدَاءٍ وَ (مَنْ) مَوْصُولَةٌ. وَإِضَافَةُ ظُلْمِهِ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى مَفْعُولِهِ، أَيْ بَعْدَ كَوْنِهِ مَظْلُومًا.

وَمَعْنَى بَعْدَ ظُلْمِهِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ هَذَا الِانْتِصَارَ بَعْدَ أَنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُمْ ظُلِمُوا: فَأَمَّا فِي غَيْرِ الْحُرُوبِ فَمَنْ يَتَوَقَّعُ أَنَّ أَحَدًا سَيَعْتَدِي عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبَادِرَ أَحَدًا بِأَذًى قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الِاعْتِدَاءِ عَلَيْهِ وَيَقُولَ: ظَنَنْتُ أَنَّهُ يَعْتَدِي عَلَيَّ فَبَادَرْتُهُ بِالْأَذَى اتِّقَاءً لِاعْتِدَائِهِ

الْمُتَوَقَّعِ، لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا يُثِيرُ التَّهَارُجَ وَالْفَسَادَ، فَنَبَّهَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَجَنُّبِهِ مَعَ عَدُوِّهِمْ إِنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ.

وَأَمَّا حَالُ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ فَلَيْسَ مِنْ غَرَضِ الْآيَةِ، فَلَوْ أَنَّ أَحَدًا