عَبْدِ الْمَطْلَبِ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَهَذَانِ أَسْلَمَا وَحَسُنَ إِسْلَامُهُمَا وَفِي الثَّلَاثَةِ الْآخَرِينَ خِلَافٌ. وَمِنَ الصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ صَدُّهُمُ النَّاسَ عَنْ سَمَاعِ الْقُرْآنِ وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت: ٢٦] .
وَالْإِضْلَالُ: الْإِبْطَالُ وَالْإِضَاعَةُ، وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى الضَّلَالِ. وَأَصْلُهُ الْخَطَأُ لِلطَّرِيقِ الْمَسْلُوكِ لِلْوُصُولِ إِلَى مَكَانٍ يُرَادُ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ الْمَعَانِيَ الْأُخَرَ. وَهَذَا اللَّفْظُ رَشِيقُ الْموقع هُنَا لِأَنَّهُ اللَّهَ أَبْطَلَ أَعْمَالَهُمُ الَّتِي تَبْدُو حَسَنَةً، فَلَمْ يُثِبْهُمْ عَلَيْهَا مِنْ صِلَةِ رَحِمٍ، وَإِطْعَامِ جَائِعٍ، وَنَحْوِهِمَا، وَلِأَنَّ مِنْ إِضْلَالِ أَعْمَالِهِمْ أَنْ كَانَ غَالِبُ أَعْمَالِهِمْ عَبَثًا وَسَيِّئًا وَلِأَنَّ مِنْ إِضْلَالِ أَعْمَالِهِمْ أَنَّ اللَّهَ خَيَّبَ سَعْيَهُمْ فَلَمْ يَحْصُلُوا مِنْهُ عَلَى طَائِلٍ فَانْهَزَمُوا يَوْمَ بَدْرٍ وَذَهَبَ إِطْعَامُهُمُ الْجَيْشَ بَاطِلًا، وَأُفْسِدَ تَدْبِيرُهُمْ وكيدهم للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَشْفُوا غَلِيلَهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ تَوَالَتِ انْهِزَامَاتُهُمْ فِي الْمَوَاقِعِ كُلِّهَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [الْأَنْفَال: ٣٦] .
[٢]
[سُورَة مُحَمَّد (٤٧) : آيَة ٢]
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (٢)
هَذَا مُقَابِلُ فَرِيقِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَهُوَ فَرِيقُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَإِيرَادُ الْمَوْصُولِ وَصِلَتِهِ لِلْإِيمَاءِ إِلَى وَجْهُ بِنَاءِ الْخَبَرِ وَعِلَّتِهِ، أَيْ لِأَجْلِ إِيمَانِهِمْ إِلَخْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ.
وَقَدْ جَاءَ فِي مُقَابَلَةِ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي أُثْبِتَتْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِثَلَاثَةِ أَوْصَافٍ ضِدَّهَا لِلْمُسْلِمِينَ وَهِيَ: الْإِيمَانُ مُقَابِلُ الْكُفْرِ، وَالْإِيمَانُ بِمَا نُزِّلَ على مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقَابِلُ الصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَعَمَلُ الصَّالِحَاتِ مُقَابِلُ بَعْضِ مَا تَضَمَّنُهُ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ [مُحَمَّد: ١] ، وكَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ مُقَابِلُ بَعْضٍ آخَرَ مِمَّا تَضَمَّنُهُ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ، وَأَصْلَحَ بالَهُمْ مُقَابِلُ بَقِيَّةِ مَا تَضَمَّنُهُ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ. وَزِيدَ فِي جَانِبِ الْمُؤْمِنِينَ التَّنْوِيهُ بِشَأْنِ الْقُرْآنِ بِالْجُمْلَةِ الْمُعْتَرِضَةِ قَوْلَهُ: وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute