وَهُوَ نَظِيرٌ لِوَصْفِهِ بِسَبِيلِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [مُحَمَّد: ١] .
وَعُبِّرَ عَنِ الْجَلَالَةِ هَنَا بِوَصْفِ الرَّبِّ زِيَادَةً فِي التَّنْوِيهِ بِشَأْنِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ:
وَأَنَّ الْكافِرِينَ لَا مَوْلى لَهُمْ [مُحَمَّد: ١١] فَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ رَبِّهِمْ.
وَتَكْفِيرُ السَّيِّئَاتِ غُفْرَانُهَا لَهُمْ فَإِنَّهُمْ لَمَّا عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمُ الَّتِي اقْتَرَفُوهَا قَبْلَ الْإِيمَانِ، وَكَفَّرَ لَهُمُ الصَّغَائِرَ، وَكَفَّرَ عَنْهُمْ بَعْضَ الْكَبَائِرِ بِمِقْدَارٍ يَعْلَمُهُ إِذَا كَانَتْ قَلِيلَةً فِي جَانِبِ أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَاتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [التَّوْبَة: ١٠٢] .
وَالْبَالُ: يُطْلَقُ عَلَى الْقَلْبِ، أَيِ الْعَقْلُ وَمَا يَخْطُرُ لِلْمَرْءِ مِنَ التَّفْكِيرِ وَهُوَ أَكْثَرُ إِطْلَاقِهِ وَلَعَلَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ، قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
فَعَادَى عِدَاءً بَيْنَ ثَوْرٍ وَنَعْجَةٍ ... وَكَانَ عِدَاءُ الْوَحْشِ مِنِّي عَلَى بَالٍ
وَقَالَ:
عَلَيْهِ الْقَتَامُ سَيْءُ الظَّنِّ وَالْبَالِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: مَا بَالُكَ؟ أَيْ مَاذَا ظَنَنْتَ حِينَ فَعَلْتَ كَذَا، وَقَوْلُهُمْ: لَا يُبَالِي، كَأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْهُ، أَيْ لَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ، وَمِنْهُ بَيْتُ الْعُقَيْلِيِّ فِي الْحَمَاسَةِ:
وَنَبْكِي حِينَ نَقْتُلُكُمْ عَلَيْكُمْ ... وَنَقْتُلُكُمْ كَأَنَّا لَا نُبَالِي
أَيْ لَا نُفَكِّرُ.
وَحَكَى الْأَزْهَرِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، أَيْ مَعْنَى لَا أُبَالِي: لَا أَكْرَهُ اهـ. وَأَحْسَبُهُمْ أَرَادُوا تَفْسِيرَ حَاصِلِ الْمَعْنَى وَلَمْ يَضْبِطُوا تَفْسِيرَ مَعْنَى الْكَلِمَةِ.
وَيُطْلَقُ الْبَالُ عَلَى الْحَالِ وَالْقَدَرِ.
وَفِي الْحَدِيثِ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَبْتَرُ»
. قَالَ الْوَزِيرُ الْبَطْلَيُوسِيُّ فِي شَرْحِ دِيوَانِ امْرِئِ الْقَيْسِ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: كُنْتُ أَقُولُ لِلْمِعَرِّي: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ فَيَقُولُ: بِخَيْرٍ أَصْلَحَ اللَّهُ بَالَكَ. وَلَمْ يُوفِّهِ صَاحِبُ الْأَسَاسِ حَقَّهُ مِنَ الْبَيَانِ وَأَدْمَجَهُ فِي مَادَّةِ (بَلَوَ) . وَإِصْلَاحُ الْبَالِ يَجْمَعُ إِصْلَاحَ الْأُمُورِ كُلِّهَا لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْإِنْسَانِ تَأْتِي عَلَى