[سُورَة الرَّحْمَن (٥٥) : الْآيَات ١ إِلَى ٢]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢)
هَذِهِ آيَةٌ وَاحِدَةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعَادِّينَ. وَوَقَعَ فِي الْمَصَاحِفِ الَّتِي بِرِوَايَةِ حَفْصٍ عَنْ عَاصِمٍ عَلَامَةُ آيَةٍ عقب كلمة الرَّحْمنُ، إِذْ عَدَّهَا قُرَّاءُ الْكُوفَةِ آيَةً فَلِذَلِكَ عَدَّ أَهْلُ الْكُوفَةِ آيِ هَذِه السُّورَة ثمانيا وَسَبْعِينِ. فَإِذَا جُعِلَ اسْم الرَّحْمنُ آيَةً تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ اسْم «الرَّحْمَن» : إِمَّا خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: هُوَ الرَّحْمَنُ، أَوْ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ يُقَدَّرُ بِمَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاقِعًا مَوْقِعَ الْكَلِمَاتِ الَّتِي يُرَادُ لَفْظُهَا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى غَلَطِ الْمُشْرِكِينَ إِذْ أَنْكَرُوا هَذَا الْاِسْمَ قَالَ تَعَالَى: قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ [٦٠] ، فَيَكُونُ مَوْقِعُهُ شَبِيهًا بِمَوْقِعِ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ الَّتِي يُتَهَجَّى بِهَا فِي أَوَائِلِ بَعْضِ السُّوَرِ عَلَى
أَظْهَرِ الْوُجُوهَ فِي تَأْوِيلِهَا وَهُوَ التَّعْرِيضُ بالمخاطبين بِأَنَّهُم أخطأوا فِي إِنْكَارِهِمُ الْحَقَائِقَ.
وافتتح باسم الرَّحْمنُ فَكَانَ فِيهِ تَشْوِيقُ جَمِيعِ السَّامِعِينَ إِلَى الْخَبَرِ الَّذِي يُخْبِرُ بِهِ عَنْهُ إِذْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ لَا يَأْلَفُونَ هَذَا الْاِسْمَ قَالَ تَعَالَى: قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ [الْفرْقَان: ٦٠] ، فَهُمْ إِذَا سَمِعُوا هَذِهِ الْفَاتِحَةَ تَرَقَّبُوا مَا سَيَرِدُ مِنَ الْخَبَرِ عَنْهُ، وَالْمُؤْمِنُونَ إِذَا طَرَقَ أَسْمَاعَهُمْ هَذَا الْاِسْمُ اسْتَشْرَفُوا لِمَا سَيَرِدُ مِنَ الْخَبَرِ الْمُنَاسِبِ لِوَصْفِهِ هَذَا مِمَّا هُمْ مُتَشَوِّقُونَ إِلَيْهِ مِنْ آثَارِ رَحْمَتِهِ.
عَلَى أَنَّهُ قَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَتْ بِسَبَبِ قَوْلِ الْمُشْرِكِينَ فِي النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ [النَّحْل: ١٠٣] ، أَيْ يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ فَكَانَ الْاِهْتِمَامُ بِذِكْرِ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ أَقْوَى من الاهتمام بالتعليم.
وَأُوثِرَ اسْتِحْضَارُ الْجَلالَة باسم الرَّحْمنُ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ يَأْبَوْنَ ذِكْرَهُ فَجَمَعَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ بَيْنَ رَدَّيْنِ عَلَيْهِمْ مَعَ مَا لِلْجُمْلَةِ الْاِسْمِيَّةِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى ثَبَاتِ الْخَبَرِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute