للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلِأَنَّ مُعْظَمَ هَذِهِ السُّورَةِ تَعْدَادٌ لِلنِّعَمِ وَالْآلَاءِ فافتتاحها باسم الرَّحْمنُ بَرَاعَةُ اسْتِهْلَالٍ.

وَقَدْ أُخْبِرَ عَنْ هَذَا الْاِسْمِ بِأَرْبَعَةِ أَخْبَارٍ مُتَتَالِيَةٍ غَيْرِ مُتَعَاطِفَةٍ رَابِعُهَا هُوَ جُمْلَةُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ [الرَّحْمَن: ٥] كَمَا سَيَأْتِي لِأَنَّهَا جِيءَ بهَا على نمط التعديد فِي مقَام الامتنان والتوقيف على الْحَقَائِق والتبكيت للخصم فِي إنكارهم صَرِيح بَعْضهَا، وإعراضهم عَن لَوَازِم بَعْضهَا كَمَا سَيَأْتِي، فَفَصَلَ جُمْلَتِي خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ [الرَّحْمَن: ٣، ٤] عَنْ جُمْلَةِ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خِلَافَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ لِنُكْتَةِ التَّعْدِيدِ لِلتَّبْكِيتِ.

وَعَطَفَ عَلَيْهَا أَرْبَعَةً أخر بِحرف الْعَطف مِنْ قَوْلِهِ: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ إِلَى قَوْلِهِ: وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ [الرَّحْمَن: ٦- ١٠] وَكُلُّهَا دَالَّةٌ عَلَى تَصَرُّفَاتِ اللَّهِ لِيُعْلِمَهُمْ أَنَّ الْاِسْمَ الَّذِي اسْتَنْكَرُوهُ هُوَ اسْمُ اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسَمَّى وَاحِدٌ.

وَجِيءَ بِالْمُسَنَدِ فِعْلًا مُؤَخَّرًا عَنِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ لِإِفَادَةِ التَّخْصِيص، أَي هُوَ عَلَّمَ الْقُرْآنَ لَا بَشَرٌ عَلَّمَهُ وَحَذَفَ الْمَفْعُولَ الْأَوَّلَ لِفِعْلِ عَلَّمَ الْقُرْآنَ لِظُهُورِهِ، وَالتَّقْدِيرُ: عَلَّمَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُمُ ادَّعَوْا أَنَّهُ مُعَلَّمٌ وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ مُعَلِّمَهُ الْقُرْآنَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا تَبْكِيتٌ أَوَّلٌ.

وَانْتَصَبَ الْقُرْآنَ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِفِعْلِ عَلَّمَ، وَهَذَا الْفِعْلُ هُنَا مُعَدًّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ فَقَطْ لِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى أَصْلِ مَا يُفِيدُهُ التَّضْعِيفُ مِنْ زِيَادَةِ مَفْعُولٍ آخَرَ مَعَ فَاعِلِ فِعْلِهِ

الْمُجَرَّدِ، وَهَذَا الْمَفْعُولُ هُنَا يَصْلُحُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ التَّعْلِيمُ إِذْ هُوَ اسْمٌ لِشَيْءٍ مُتَعَلِّقٍ بِهِ التَّعْلِيمُ وَهُوَ الْقُرْآنُ، فَهُوَ كَقَوْلِ مَعْنِ بْنِ أَوْسٍ:

أُعَلِّمُهُ الرِّمَايَةَ كُلَّ يَوْمٍ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [١١٠] وَقَوْلِهِ: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ