بِدِلَالَةِ الْفَحْوَى لِأَنَّهُ لَا يَتْرُكُ مُنَاجَاة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ إِرَادَةَ مناجاته الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَتْ عَبَثًا بَلْ لِتَحْصِيلِ عِلْمٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: رَحِيمٌ فَهُوَ فِي مُقَابَلَةِ مَا فَاتَ غَيْرَ الْوَاجِدِ مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ مِنْ تَزْكِيَةِ النَّفس إشعارا لَهُ بِأَنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ تَنْفَعُهُ.
وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخ.
[١٣]
[سُورَة المجادلة (٥٨) : آيَة ١٣]
أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٣)
نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَقِبَ الَّتِي قَبْلَهَا: وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ جَمْعٍ مِنْ سَلَفِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا. وَذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ الْقَادِرِينَ عَلَى تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ قَبْلَ النَّجْوَى شَقَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَأَمْسَكُوا عَنْ مُنَاجَاة النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْقَطَ اللَّهُ وُجُوبَ هَذِهِ الصَّدَقَةِ، وَقَدْ قِيلَ: لَمْ يَعْمَلْ بِهَذِهِ الْآيَةِ غَيْرُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَلَعَلَّ غَيْرَهُ لَمْ يحْتَج إِلَى نجوى الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقْتَصَدَ مِمَّا كَانَ يُنَاجِيهِ لِأَدْنَى مُوجِبٍ.
فَالْخِطَابُ لِطَائِفَةٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَادِرِينَ عَلَى تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ قَبْلَ الْمُنَاجَاةِ وَشَقَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ أَوْ ثَقُلَ عَلَيْهِمْ.
وَالْإِشْفَاقُ توقع حُصُول مَالا يَبْتَغِيهِ وَمَفْعُولُ أَأَشْفَقْتُمْ هُوَ أَنْ تُقَدِّمُوا أَيْ مِنْ أَنْ تُقَدِّمُوا، أَيْ أَأَشْفَقْتُمْ عَاقِبَةَ ذَلِكَ وَهُوَ الْفَقْرُ.
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَاسِخَةٌ لِلَّتِي قَبْلَهَا فَسَقَطَ وُجُوبُ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ لِمَنْ يُرِيدُ مُنَاجَاة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاسْتَبْعَدَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ.
وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي اللَّوْمِ عَلَى تَجَهُّمِ تِلْكَ الصَّدَقَةِ مَعَ مَا فِيهَا مِنْ فَوَائِدَ لِنَفْعِ الْفُقَرَاءِ.