وَقَوْلُهُ: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ، دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِ عُلَمَاءِ أُصُولِ الْفِقْهِ «النَّهْيُ اقْتِضَاءُ كَفٍّ عَنْ فعل» .
وَالْإِشَارَة ب ذلِكَ إِلَى اللَّهْوِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ بِسَبَبِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، أَيْ وَمَنْ يُلْهَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، أَيْ يَتْرُكُ ذِكْرَ اللَّهِ الَّذِي أُوجَبَهُ مِثْلَ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ وَيَتْرُكُ تَذَكُّرَ اللَّهِ، أَيْ مُرَاعَاةَ أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ.
وَمَتَى كَانَ اللَّهْوُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ بِالِاشْتِغَالِ بِغَيْرِ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِ الْأَوْلَادِ كَانَ أَوْلَى بِحُكْمِ النَّهْيِ وَالْوَعِيدِ عَلَيْهِ.
وَأَفَادَ ضَمِيرُ الْفَصْلِ فِي قَوْلِهِ: فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ قَصْرَ صِفَةِ الْخَاسِرِ عَلَى الَّذِينَ يَفْعَلُونَ الَّذِي نُهُوا عَنْهُ، وَهُوَ قَصْرٌ ادِّعَائِيٌّ لِلْمُبَالَغَةِ فِي اتِّصَافِهِمْ بِالْخُسْرَانِ كَأَنَّ خُسْرَانَ غَيْرِهِمْ لَا يُعَدُّ خُسْرَانًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى خُسْرَانِهِمْ.
وَالْإِشَارَةُ إِلَيْهِم ب فَأُولئِكَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا مَا بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ بِسَبَبِ مَا ذُكِرَ قَبْلَ اسْمِ الْإِشَارَةِ، أَعْنِي اللَّهْوَ عَنْ ذكر الله.
[١٠]
[سُورَة المُنَافِقُونَ (٦٣) : آيَة ١٠]
وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠)
هَذَا إِبْطَالٌ وَنَقْضٌ لِكَيْدِ الْمُنَافِقِينَ حِينَ قَالُوا: لَا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ [المُنَافِقُونَ: ٧] ، وَهُوَ يَعُمُّ الْإِنْفَاقَ عَلَى الْمُلْتَفِّينَ حَوْلَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِنْفَاقَ عَلَى غَيْرِهِمْ فَكَانَتِ الْجُمْلَةُ كَالتَّذْيِيلِ.
وَفَعَلُ أَنْفِقُوا مُسْتَعْمَلٌ فِي الطَّلَبِ الشَّامِلِ لِلْوَاجِبِ وَالْمُسْتَحَبِّ فَإِنَّ مَدْلُولَ صِيغَةِ:
افْعَلْ، مُطْلَقُ الطَّلَبِ، وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ.
وَفِي قَوْله: مِنْ مَا رَزَقْناكُمْ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْإِنْفَاقَ الْمَأْمُورَ بِهِ شكر لله عَلَى مَا رَزَقَ الْمُنْفِقُ فَإِنَّ الشُّكْرَ صَرْفُ الْعَبْدِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ فِيمَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْ تِلْقَاءِ الشَّرِيعَةِ.