للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقِيلَ الْمُرَادُ بِدَارِ الْفَاسِقِينَ دِيَارُ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ مِثْلَ دِيَارِ ثَمُودَ وَقَوْمِ لُوطٍ الَّذِينَ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ لِكُفْرِهِمْ، أَيْ سَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ فَتَرَوْنَ دِيَارَهُمْ فَتَتَّعِظُونَ بِسُوءِ عَاقِبَتِهِمْ لِفِسْقِهِمْ، وَفِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَمُرُّوا مَعَ مُوسَى عَلَى هَذِهِ الْبِلَادِ.

وَالْعُدُولُ عَنْ تَسْمِيَةِ الْأُمَمِ بِأَسْمَائِهِمْ إِلَى التَّعْبِيرِ عَنْهُمْ بِوَصْفِ الْفَاسِقِينَ لِأَنَّهُ أَدَلُّ

عَلَى تَسَبُّبِ الْوَصْفِ فِي الْمَصِيرِ الَّذِي صَارُوا إِلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ أَجْمَعُ وَأَوْجَزُ، وَاخْتِيَارُ وَصْفِ الْفَاسِقِينَ دُونَ الْمُشْرِكِينَ وَالظَّالِمِينَ الشَّائِعِ فِي التَّعْبِيرِ عَنِ الشِّرْكِ فِي الْقُرْآنِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ عَاقِبَتَهُمُ السُّوأَى تَسَبَّبَتْ عَلَى الشِّرْكِ وَفَاسِدِ الْأَفْعَال مَعًا.

[١٤٦]

[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : آيَة ١٤٦]

سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (١٤٦)

يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ تَكْمِلَةً لِمَا خَاطَبَ اللَّهُ بِهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، فَتَكُونُ جُمْلَةُ سَأَصْرِفُ إِلَخ بأسهم، اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا، لِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا يَهَابُونَ أُولَئِكَ الْأَقْوَامَ وَيَخْشَوْنَ، فَكَأَنَّهُمْ تَسَاءَلُوا كَيْفَ تُرِينَا دَارَهُمْ وَتَعِدُنَا بِهَا، وَهَلْ لَا نَهْلِكُ قَبْلَ الْحُلُولِ بِهَا، كَمَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ قالُوا يَا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ الْآيَةَ فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [٢٢] وَقَدْ حَكَى ذَلِكَ فِي الْإِصْحَاحِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ سِفْرِ الْعَدَدِ، فَأُجِيبُوا بِأَنَّ اللَّهَ سَيَصْرِفُ أُولَئِكَ عَنْ آيَاتِهِ.

وَالصَّرْفُ الدَّفْعُ أَيْ سَأَصُدُّ عَنْ آيَاتِي، أَيْ عَنْ تَعْطِيلِهَا وَإِبْطَالِهَا.

وَالْآيَاتُ الشَّرِيعَةُ، وَوَعَدَ اللَّهُ أَهْلَهَا بِأَنْ يُورِثَهُمْ أَرْضَ الشَّامِ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى سَأَتَوَلَّى دَفْعَهُمْ عَنْكُمْ، وَيَكُونُ هَذَا مِثْلَ مَا وَرَدَ فِي التَّوْرَاةِ فِي الْإِصْحَاحِ الرَّابِعِ وَالثَلَاثِينَ «هَا أَنَا طَارِدٌ مِنْ قُدَّامِكَ الْأَمُورِيِّينَ إِلَخْ» ، فَالصَّرْفُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عِنَايَةٌ مِنَ اللَّهِ بِمُوسَى وَقَومه بِمَا يهيء لَهُمْ مِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ عَلَى أُولَئِكَ الْأَقْوَامِ الْأَقْوِيَاءِ، كَإِلْقَاءِ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِهِمْ، وَتَشْتِيتِ كَلِمَتِهِمْ، وَإِيجَادِ الْحَوَادِثِ الَّتِي تَفُتُّ فِي سَاعِدِ عُدَّتِهِمْ أَوْ تَكُونُ الْجُمْلَةُ جَوَابًا لِسُؤَالِ مَنْ يَقُولُ: إِذَا دَخَلْنَا أَرْضَ الْعَدُوِّ فَلَعَلَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِهَدْيِنَا، وَيَتَّبِعُونَ دِينَنَا، فَلَا نَحْتَاجُ إِلَى قِتَالِهِمْ، فَأُجِيبُوا بِأَنَّ اللَّهَ يَصْرِفُهُمْ عَنِ اتِّبَاعِ آيَاتِهِ لِأَنَّهُمْ جُبِلُوا عَلَى التَّكَبُّرِ فِي الْأَرْضِ، وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الْآيَاتِ، فَالصَّرْفُ