[سُورَة الصافات (٣٧) : الْآيَات ١٠١ إِلَى ١٠٢]
فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (١٠١) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرى قالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢)
الْفَاءُ فِي فَبَشَّرْناهُ لِلتَّعْقِيبِ، وَالْبِشَارَةُ: الْإِخْبَارُ بِخَيْرٍ وَارِدٍ عَنْ قُرْبٍ أَوْ عَلَى بُعْدٍ فَإِنْ كَانَ اللَّهُ بَشَّرَ إِبْرَاهِيمَ بِأَنَّهُ يُولَدُ لَهُ وَلَدٌ أَوْ يُوجَدُ لَهُ نَسْلٌ عَقِبَ دُعَائِهِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ فِي الْإِصْحَاحِ الْخَامِسِ عَشَرَ فَقَدْ أَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ اسْتَجَابَ لَهُ وَأَنَّهُ يَهَبُهُ وَلَدًا بَعْدَ زَمَانٍ، فَالتَّعْقِيبُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ بَشَّرَهُ بِغُلَامٍ بَعْدَ ذَلِكَ حِينَ حَمَلَتْ مِنْهُ هَاجَرُ جَارَيْتُهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، فَالتَّعْقِيبُ نِسْبِيٌّ، أَيْ بَشَّرْنَاهُ حِينَ قَدَّرْنَا ذَلِكَ أَوَّلَ بِشَارَةٍ بِغُلَامٍ فَصَارَ التَّعْقِيبُ آئِلًا إِلَى الْمُبَادَرَةِ كَمَا يُقَالُ: تَزَوَّجَ فَوُلِدَ لَهُ وَعَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ فَالْغُلَامُ الَّذِي بُشِّرَ بِهِ هُوَ الْوَلَدُ الْأَوَّلُ الَّذِي وُلِدَ لَهُ وَهُوَ إِسْمَاعِيلُ لَا مَحَالَةَ.
وَالْحَلِيمُ: الْمَوْصُوفُ بِالْحِلْمِ وَهُوَ اسْمٌ يَجْمَعُ أَصَالَةَ الرَّأْيِ وَمَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ وَالرَّحْمَةَ بِالْمَخْلُوقِ. قِيلَ: مَا نَعَتَ اللَّهَ الْأَنْبِيَاءُ بِأَقَلَّ مِمَّا نَعَتَهُمْ بِالْحِلْمِ.
وَهَذَا الْغُلَامُ الَّذِي بُشِّرَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ هُوَ إِسْمَاعِيلُ ابْنُهُ الْبِكْرُ وَهَذَا غَيْرُ الْغُلَامِ الَّذِي بَشَّرَهُ بِهِ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ أُرْسِلُوا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ [الذاريات: ٢٨] فَذَلِكَ وُصِفَ بِأَنَّهُ عَلِيمٍ. وَهَذَا وُصِفَ بِ حَلِيمٍ. وَأَيْضًا ذَلِكَ
كَانَتِ الْبِشَارَةُ بِهِ بِمَحْضَرِ سَارَةَ أُمِّهِ وَقَدْ جُعِلَتْ هِيَ الْمُبَشَّرَةَ فِي قَوْله تَعَالَى: فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ قالَتْ: يَا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً [هود:
٧٢] ، فَتِلْكَ بِشَارَةُ كَرَامَةٍ وَالْأَوْلَى بِشَارَةُ اسْتِجَابَةِ دُعَائِهِ، فَلَمَّا وُلِدَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ تَحَقَّقَ أَمَلُ إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ مِنْ صُلْبِهِ.
فَالْبِشَارَةُ بِإِسْمَاعِيلَ لَمَّا كَانَتْ عَقِبَ دُعَاءِ إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَهَبَ اللَّهُ لَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ عُطِفَتْ هُنَا بِفَاءِ التَّعْقِيبِ، وَبِشَارَتُهُ بِإِسْحَاقَ ذُكِرَتْ فِي هَذِه السُّورَة معطوفة بِالْوَاوِ عَطْفَ الْقِصَّةِ عَلَى الْقِصَّةِ.
وَالْفَاءُ فِي فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ فَصِيحَةٌ لِأَنَّهَا مُفْصِحَةٌ عَنْ مُقَدَّرٍ، تَقْدِيرُهُ: فَوُلِدَ لَهُ وَيَفَعَ وَبَلَغَ السَّعْيَ فَلَمَّا بَلَغَ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِلَخْ، أَيْ بَلَغَ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute