للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِعَلَامَةِ الِاسْتِقْبَالِ تَنَافِيَا فِي الْجُمْلَةِ.

هَذَا بَيَانُ مَا وَجَّهَ بِهِ الرَّضِيُّ مَذْهَبَ الْبَصرِيين وَتَبعهُ التفتازانيّ فِي مَبْحَثِ الْحَالِ مِنْ شَرْحِهِ الْمُطَوَّلِ عَلَى «تَلْخِيصِ الْمِفْتَاحِ» . وَفِي مَبْحَثِ الِاسْتِفْهَامِ بِ (هَلْ) مِنْهُ. وَقَدْ زَيَّفَ السَّيِّدُ الْجُرْجَانِيُّ فِي «حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ» ذَلِكَ التَّوْجِيهَ فِي مَبْحَثِ الْحَالِ تَزْيِيفًا رَشِيقًا.

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ سَيَهْدِينِ مُسْتَأْنَفَةً وَبِذَلِكَ أَجَابَ نُحَاةُ الْبَصْرَةِ عَنْ تَمَسُّكِ نُحَاةِ الْكُوفَةِ بِالْآيَةِ فِي جَوَازِ اقْتِرَانِ الْحَالِ بِعِلْمِ الِاسْتِقْبَالِ، فَالِاسْتِئْنَافُ بَيَانِيٌّ بَيَانًا لِسَبَبِ هِجْرَتِهِ.

وَجُمْلَةُ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ بَقِيَّةُ قَوْلِهِ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ مُهَاجِرٌ اسْتَشْعَرَ قِلَّةَ أَهْلِهِ وَعُقْمَ امْرَأَتِهِ وَثَارَ ذَلِكَ الْخَاطِرُ فِي نَفْسِهِ عِنْدَ إِزْمَاعِ الرَّحِيلِ لِأَنَّ الشُّعُورَ بِقِلَّةِ الْأَهْلِ عِنْدَ مُفَارَقَةِ الْأَوْطَانِ يَكُونُ أَقْوَى لِأَنَّ الْمَرْءَ إِذَا كَانَ بَيْنَ قَوْمِهِ كَانَ لَهُ بَعْضُ السُّلُوِّ بِوُجُودِ قَرَابَتِهِ وَأَصْدِقَائِهِ.

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سَأَلَ النَّسْلَ مَا جَاءَ فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ (الْإِصْحَاحِ الْخَامِسِ عَشَرَ) «وَقَالَ أَبْرَامُ إِنَّكَ لَمْ تُعْطِنِي نَسْلًا وَهَذَا ابْنُ بَيْتِي (بِمَعْنَى مَوْلَاهُ) وَارِث لي (أَنهم كَانُوا إِذَا مَاتَ عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ وَرِثَهُ مَوَالِيهِ) » . وَكَانَ عُمْرُ إِبْرَاهِيمَ حِينَ خَرَجَ مِنْ بِلَادِهِ نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً.

وَقَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : لَفْظُ الْهِبَةِ غَلَبَ فِي الْوَلَدِ. لَعَلَّهُ يَعْنِي أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ غَلَبَ فِي الْقُرْآنِ فِي الْوَلَدِ: وَلَا أَحْسَبُهُ غَلَبَ فِيهِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لِأَنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ جَاءَ فِي الْأَخِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا [مَرْيَم: ٥٣] .

فَحَذَفَ مَفْعُولَ الْفِعْلِ لِدَلَالَةِ الْفِعْلِ عَلَيْهِ.

وَوَصَفَهُ بِأَنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ لِأَنَّ نِعْمَةَ الْوَلَدِ تَكُونُ أَكْمَلَ إِذَا كَانَ صَالِحًا فَإِنَّ صَلَاحَ الْأَبْنَاءِ قُرَّةُ عَيْنٍ لِلْآبَاءِ، وَمِنْ صَلَاحِهِمْ برّهم بوالديهم.