للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الْقَمَر (٥٤) : آيَة ٥١]

وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١)

الْتَفَتَ مِنْ طَرِيقِ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ وَمَرْجِعُ الْخِطَابِ هُمُ الْمُشْرِكُونَ لِظُهُورِ أَنَّهُمُ الْمَقْصُودُ بِالتَّهْدِيدِ، وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ [الْقَمَر: ٤٣] فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّتِيجَةِ لِقَوْلِهِ: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ إِلَى كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [الْقَمَر: ٤٩، ٥٠] .

وَهَذَا الْخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّهْدِيدِ بِالْإِهْلَاكِ وَبِأَنَّهُ يُفَاجِئُهُمْ قِيَاسًا عَلَى إِهْلَاكِ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ، وَهَذَا الْمَقْصِدُ هُوَ الَّذِي لِأَجْلِهِ أَكَّدَ الْخَبَرَ بِلَامِ الْقَسَمِ وَحَرْفِ (قَدْ) . أَمَّا إِهْلَاكُ مَنْ قَبْلِهِمْ فَهُوَ مَعْلُومٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَأْكِيدٍ.

وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ مَنَاطَ التَّأْكِيدِ إِثْبَاتَ أَنَّ إِهْلَاكَهُمْ كَانَ لِأَجْلِ شِرْكِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمُ الرُّسُلَ.

وَتَفْرِيعُ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ قَرِينَةٌ عَلَى إِرَادَةِ الْمَعْنَيَيْنِ فَإِنَّ قَوْمَ نُوحٍ بَقُوا أَزْمَانًا فَمَا أَقْلَعُوا عَنْ إِشْرَاكِهِمْ حَتَّى أَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ بَغْتَةً. وَكَذَلِكَ عَادٌ وَثَمُودُ كَانُوا غَيْرَ مُصَدِّقِينَ بِحُلُولِ الْعَذَابِ

بِهِمْ فَلَمَّا حَلَّ بِهِمُ الْعَذَابُ حَلَّ بِهِمْ بَغْتَةً، وَقَوْمُ فِرْعَوْنَ خَرَجُوا مُقْتَفِينَ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ وَاثِقِينَ بِأَنَّهُمْ مُدْرِكُوهُمْ وَاقْتَرَبُوا مِنْهُمْ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ تَمَكَّنُوا مِنْهُمْ فَمَا رَاعَهُمْ إِلَّا أَنْ أَنْجَى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَانْطَبَقَ الْبَحْرُ عَلَى الْآخَرِينَ.

وَالْمَعْنَى: فَكَمَا أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ نُهْلِكُكُمْ، وَكَذَلِكَ كَانَ، فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا حَلُّوا بِبَدْرٍ وَهُمْ أَوْفَرُ عَدَدًا وَعُدَدًا كَانُوا وَاثِقِينَ بِأَنَّهُمْ مُنْقِذُونَ عِيرَهُمْ وَهَازِمُونَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَقَدْ ضَرَبَ فَرَسَهُ وَتَقَدَّمَ إِلَى الصَّفِّ «الْيَوْمُ نَنْتَصِرُ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ» فَلَمْ تَجُلِ الْخَيْلُ جَوْلَةً حَتَّى شَاهَدُوا صَنَادِيدَهُمْ صَرْعَى بِبَدْرٍ: أَبَا جَهْلٍ، وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ وَغَيْرَهُمْ فِي سَبْعِينَ رَجُلًا وَلَمْ تَقُمْ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ قَائِمَةٌ.

وَالْأَشْيَاعُ: جَمْعُ شِيعَةٍ. وَالشِّيعَةُ: الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ يُؤَيِّدُونَ مَنْ يُضَافُونَ إِلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً فِي آخِرِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ