للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَيَتُوبُونَ، وَلَا

تُعْقَلُ تَوْبَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَتَعَيَّنَ تَأْوِيلُ (يَمُوتُونَ) بِمَعْنَى يُشْرِفُونَ كَقَوْلِهِ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ [الْبَقَرَة: ٢٤٠] ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي حَقِّ فِرْعَوْنَ حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [يُونُس: ٩٠، ٩١] الْمُفِيدُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَقْبَلْ إِيمَانَهُ سَاعَتَئِذٍ. وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا الِاسْتِدْلَال بأنّ ذَلِك شَأْنَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ نَزَلَ بِهِمُ الْعَذَابُ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُمُ الْإِيمَانُ بَعْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ قَالَ تَعَالَى: فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ

[يُونُس: ٩٨] فَالْغَرَقُ عَذَابٌ عَذَّبَ اللَّهُ بِهِ فِرْعَوْنَ وَجُنْدَهُ.

قَالَ ابْنُ الْفُرْسِ، فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: وَإِذَا صَحَّتْ تَوْبَةُ الْعَبْدِ فَإِنْ كَانَتْ عَنِ الْكُفْرِ قَطَعْنَا بِقَبُولِهَا، وَإِنْ كَانَتْ عَنْ سِوَاهُ مِنَ الْمَعَاصِي فَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقْطَعُ بِقَبُولِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَقْطَعْ وَيَظُنَّهُ ظَنًّا اهـ.

[١٩]

[سُورَة النِّسَاء (٤) : آيَة ١٩]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (١٩)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً.

اسْتِئْنَافُ تَشْرِيعٍ فِي أَحْكَامِ النِّسَاءِ الَّتِي كَانَ سِيَاقُ السُّورَةِ لِبَيَانِهَا وَهِيَ الَّتِي لَمْ تَزَلْ آيُهَا مُبَيِّنَةً لِأَحْكَامِهَا تَأْسِيسًا وَاسْتِطْرَادًا، وَبَدْءًا وَعَوْدًا، وَهَذَا حُكْمٌ تَابِعٌ لِإِبْطَالِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ جَعْلِ زَوْجِ الْمَيِّتِ مَوْرُوثَةً عَنْهُ وَافْتُتِحَ بُقُولِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِلتَّنْوِيهِ بِمَا خُوطِبُوا بِهِ.

وَخُوطِبَ الَّذِينَ آمَنُوا لِيَعُمَّ الْخِطَابُ جَمِيعَ الْأُمَّةِ، فَيَأْخُذَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِحَظِّهِ مِنْهُ، فَمُرِيدُ الِاخْتِصَاصِ بِامْرَأَةِ الْمَيِّتِ يَعْلَمُ مَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْهُ، والوليّ كَذَلِكَ، وَوُلَاةُ الْأُمُورِ كَذَلِكَ.

وَصِيغَةُ لَا يَحِلُّ صِيغَةُ نَهْيٍ صَرِيحٍ لِأَنَّ الْحِلَّ هُوَ الْإِبَاحَةُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَلِسَانِ الشَّرِيعَةِ، فَنَفْيُهُ يُرَادِفُ مَعْنَى التَّحْرِيمِ.

وَالْإِرْثُ حَقِيقَتُهُ مَصِيرُ الْكَسْبِ إِلَى شَخْصٍ عَقِبَ شَخْصٍ آخَرَ، وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي مَصِيرِ الْأَمْوَالِ، وَيُطْلَقُ الْإِرْثُ مَجَازًا عَلَى تَمَحُّضِ الْمِلْكِ لِأَحَدٍ بَعْدَ الْمُشَارَكِ فِيهِ، أَوْ فِي