وَتُعْرَفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِمَسْأَلَةِ الْمُوَافَاةِ، أَيِ: اسْتِمْرَارُ الْمُرْتَدِّ عَلَى الرِّدَّةِ إِلَى انْقِضَاءِ حَيَاتِهِ فَيُوَافِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُرْتَدًّا. فَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يَرَيَا شَرْطَ الْمُوَافَاةِ وَالشَّافِعِيُّ اعْتَبَرَ الْمُوَافَاةَ. وَالْمُعْتَزِلَةُ قَائِلُونَ بِمِثْلِ مَا قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَحَكَى الْفَخْرُ عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ اعْتِبَارَ الْمُوَافَاةِ عَلَى الْكُفْرِ، وَانْظُرْ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢١٧] . وَالْمَعْنَى:
أَنَّهُمْ لَا تَنْفَعُهُمْ قُرُبَاتُهُمْ وَلَا جِهَادُهُمْ.
وَجُمْلَةُ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي لَازِمِهِ وَهُوَ تَحْقِيرُهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَمَّا أَخْرَجَهُمْ مِنْ حَظِيرَةِ الْإِسْلَامِ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ لَمْ يَعْبَأْ بِهِمْ وَلَا عَدَّ ذَلِكَ ثُلْمَةً فِي جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ.
وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ يُدْلُونَ بِإِظْهَارِ الْإِيمَانِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَعْتَزُّونَ بِهِمْ، قَالَ تَعَالَى: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ
[الحجرات: ١٧] .
[٢٠]
[سُورَة الْأَحْزَاب (٣٣) : آيَة ٢٠]
يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ مَا قاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً (٢٠)
لَمَّا ذُكِرَ حَالُ الْمُنَافِقِينَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مِنْ فِتْنَتِهِمْ فِي الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا هُمْ حِينَ مَجِيءِ جُنُودِ الْأَحْزَابِ وَحِينَ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ ثُنِيَ عَنَانُ الْكَلَامِ الْآنَ إِلَى حَالِهِمْ حِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِانْكِشَافِ جُنُودِ الْأَحْزَابِ عَنْهُمْ، فَأَفَادَ بِأَنَّ انْكِشَافَ الْأَحْزَابِ حَصَلَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فَلِذَلِكَ كَانُوا يَشْتَدُّونَ فِي مَلَامِ الْمُسْلِمِينَ وَيَسْلُقُونَهُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ عَلَى أَنْ تَعَرَّضُوا لِلْعَدُوِّ الْكَثِيرِ، وَكَانَ اللَّهُ سَاعَتَئِذٍ قَدْ هَزَمَ الْأَحْزَابَ فَانْصَرَفُوا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ شَرَّهُمْ، وَلَيْسَ لِلْمُنَافِقِينَ وَسَاطَةٌ فِي ذَلِكَ. وَلَعَلَّهُمْ كَانُوا لَا يَوَدُّونَ رُجُوعَ الْأَحْزَابِ دُونَ أَنْ يَأْخُذُوا الْمَدِينَةَ، فَتَكُونُ جُمْلَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute