للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهُوَ كَلَامٌ جَامِعٌ لِتَفَاصِيلِ مَا حَلَّ بِالْمُكَذِّبِينَ، وَبِكَيْفَ كَانَ نَصْرُ اللَّهِ رُسُلَهُ. وَذَلِكَ فِي تَضَاعِيفِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ.

وَالْقَوْلُ فِي جاءَكَ كَالْقَوْلِ فِي أَتاهُمْ نَصْرُنا، فَهُوَ مَجَازٌ فِي بُلُوغِ ذَلِكَ وَإِعْلَامِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ.

وَ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ: مِنْ نَبَإِ إِمَّا اسْمٌ بِمَعْنَى (بَعْضٍ) فَتَكُونُ فَاعِلًا مُضَافَة إِلَى النبأ، وَهُوَ نَاظِرٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ [غَافِر:

٧٨] . وَالْأَحْسَنُ أَنْ تُجْعَلَ صِفَةً لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: لَقَدْ جَاءَكَ نَبَأٌ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ.

وَالنَّبَأُ الْخَبَرُ عَنْ أَمْرٍ عَظِيمٍ، قَالَ تَعَالَى: عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ [النَّبَأ: ١، ٢] ، وَقَالَ: قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ [ص: ٦٧، ٦٨] ، وَقَالَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ [٦٧] لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ.

[٣٥]

[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ٣٥]

وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٥)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ [الْأَنْعَام: ٣٣] ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحْزِنُهُ مَا يَقُولُونَهُ فِيهِ مِنَ التَّكْذِيبِ بِهِ وَبِالْقُرْآنِ حُزْنًا عَلَى جَهْلِ قَوْمِهِ بِقَدْرِ النَّصِيحَةِ وَإِنْكَارِهِمْ فَضِيلَةَ صَاحِبِهَا، وَحُزْنًا مِنْ جَرَّاءِ الْأَسَفِ عَلَيْهِمْ مِنْ دَوَامِ ضَلَالِهِمْ شَفَقَةً عَلَيْهِمْ، وَقَدْ سَلَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْحُزْنِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ [الْأَنْعَام: ٣٣] وَسَلَّاهُ عَنِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ الْآيَةَ.

وكَبُرَ كَكَرُمَ، كِبَرًا كَعِنَبٍ: عَظُمَتْ جُثَّتُهُ. وَمَعْنَى كَبُرَ هُنَا شَقَّ عَلَيْكَ. وَأَصْلُهُ عِظَمُ الْجُثَّةِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ مَجَازًا فِي الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ الثَّقِيلَةِ لِأَنَّ عِظَمَ الْجُثَّةِ يَسْتَلْزِمُ الثِّقَلَ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ مَجَازًا فِي مَعْنَى (شَقَّ) لِأَنَّ الثقيل يشق جمله. فَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ بِلُزُومَيْنِ.

وَجِيءَ فِي هَذَا الشَّرْطِ بِحَرْفِ (إِنْ) الَّذِي يَكْثُرُ وُرُودُهُ فِي الشَّرْطِ الَّذِي لَا يُظَنُّ