هُنَا الْغَرَقُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ جَمَاعَةِ الْإِنَاثِ عَائِدًا إِلَى الْجَوارِ عَلَى أَنْ يُسْتَعَارَ الْإِيبَاقِ لِلْإِغْرَاقِ لِأَنَّ الْإِغْرَاقَ إِتْلَافٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَى الرَّاكِبِينَ عَلَى تَأْوِيلِ مُعَادِ الضَّمِيرِ بِالْجَمَاعَاتِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: بِما كَسَبُوا فَهُوَ كَقَوْلِهِ: وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ [الْحَج: ٢٧] .
وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى: ٣٠] .
ويَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ عَطْفٌ عَلَى يُوبِقْهُنَّ فَهُوَ فِي مَعْنَى جَزَاءٍ لِلشَّرْطِ الْمُقَدَّرِ، أَيْ وَإِنْ يَشَأْ يَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ فَلَا يُوبِقُهُمْ مَعَ اسْتِحْقَاقِهِمْ أَنْ يُوبَقُوا. وَهَذَا الْعَطف اعْتِرَاض.
[٣٥]
[سُورَة الشورى (٤٢) : آيَة ٣٥]
وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٥)
قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ بِرَفْعِ وَيَعْلَمَ عَلَى أَنَّهُ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ. وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ.
فَأَمَّا الِاسْتِئْنَافُ عَلَى قِرَاءَةِ نَافِعٍ وَابْنِ عَامِرٍ وَيَعْقُوبَ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ كَلَامٌ آنِفٌ لَا ارْتِبَاطَ لَهُ بِمَا قَبْلَهُ، وَذَلِكَ تَهْدِيدٌ لِلْمُشْرِكِينَ بِأَنَّهُمْ لَا مَحِيصَ لَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ [الشورى: ٣٢] صَارَ الْمَعْنَى: وَمِنْ آيَاتِ انْفِرَادِهِ بِالْإِلَهِيَّةِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ. وَالْمُشْرِكُونَ يُجَادِلُونَ فِي دَلَائِلِ الْوَحْدَانِيَّةِ بِالْإِعْرَاضِ وَالِانْصِرَافِ عَنْ سَمَاعِهَا فَهَدَّدَهُمُ اللَّهُ بِأَنْ أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُمْ لَا مَحِيصَ لَهُمْ، أَيْ مِنْ عَذَابِهِ، فَحَذَفَ مُتَعَلِّقَ الْمَحِيصِ إِبْهَامًا لَهُ تَهْوِيلًا لِلتَّهْدِيدِ لِتَذْهَبَ النَّفْسُ كُلَّ مَذْهَبٍ مُمْكِنٍ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ خَبَرًا مُرَادًا بِهِ الْإِنْشَاءُ وَالطَّلَبُ فَهُوَ فِي قُوَّةِ: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ، أَوِ اعْلَمُوا يَا مَنْ يُجَادِلُونَ، وَلَيْسَ خَبَرًا عَنْهُمْ لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ حَتَّى يَعْلَمُوهُ.
وَأَمَّا قِرَاءَةُ النَّصْبِ فَهِيَ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَجُمْهُورُ النُّحَاةِ عَلَى الْعَطْفِ عَلَى فِعْلٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute